بالنص، حيث رأوه أولى بالمحافظة، و أحق بالرعاية، إذ لا يفوت البعث
بتثاقلهم عن السير، و لا بتخلف من تخلف منهم عن الجيش، أما الخلافة فإنها تنصرف
عنهم لا محالة اذا انصرفوا الى الغزوة قبل وفاته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و
كان- بأبي و أمي- اراد أن تخلو منهم العاصمة فيصفو الأمر من بعده لأمير المؤمنين
علي ابن أبي طالب على سكون و طمأنينة، فإذا رجعوا و قد أبرم عهد الخلافة، و أحكم
لعلي عقدها، كانوا عن المنازعة و الخلاف أبعد.
و إنما أمر عليهم اسامة و هو ابن سبع عشرة سنة[1]ليّا لأعنة البعض، و ردّا لجماح أهل الجماح منهم، و احتياطا على
الأمن في المستقبل من نزاع أهل التنافس لو أمر أحدهم، كما لا يخفى، لكنهم فطنوا
إلى ما دبّر صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فطعنوا في تأمير اسامة، و تثاقلوا عن
السير معه، فلم يبرحوا من الجرف حتى لحق النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بربه،
فهمّوا حينئذ بإلغاء البعث و حلّ اللواء تارة، و بعزل اسامة اخرى، ثم تخلّف كثير
منهم عن الجيش كما سمعت.
فهذه خمسة امور في هذه السرية لم يتعبدوا فيها بالنصوص الجلية،
إيثارا لرأيهم في الامور السياسة، و ترجيحا لاجتهادهم فيها على التعبد بنصوصه صلّى
اللّه عليه و آله و سلّم، و السلام.
ش
[1]على الأظهر، و قيل: كان ابن ثمان عشرة سنة، و قيل: ابن تسع عشرة
سنة، و قيل: ابن عشرين سنة، و لا قائل بأن عمره كان أكثر من ذلك. (منه قدّس سرّه).