و المحدثين في اللغة و العربية، و ذلك بخلاف الزمخشري صاحب الكشاف، و
ليس استشهاد سيبويه بشعر بشار مما يؤخذ فيه أو يعتبر حجة على الاستشهاد بأقوال
المولدين، لأن أستشهاده كان خوفا من هجاء بشار.
و هم لهذا كله عنوا أيضا بمعرفة
قائل الشعر، و صحة نسبة الشعر اليه. فقد تبين من تقسيم الشعراء الى طبقات من يصح
الاستشهاد بشعرهم، و من لا يصح.
و أنه لا يجوز الاحتجاج بشعر و كذا
بنثر لا يعرف قائلة (و علة ذلك مخافة أن ذلك الكلام مصنوعا أو لمولد، أو لمن لا
يوثق بكلامه). و ما ذلك الا حفظا للغة القرآن الكريم، و ليتضح حديث النبي المرسل
و معرفة الدخيل في اللغة من الاصيل، كما وضعت قواعد اللغة و أصل الاعراب لتجنب
اللحن كما هو معروف ...
سقنا هذه المقدمة القصيرة لتبيان
الغاية التي توخاها الامام الجليل السيوطي في كتابه (شرح شواهد المغني) و الذي
نقوم على نشره الآن. و قد ألفت في النحو كتب كثيرة و قام على خدمتها رجال أفاضل
علماء، كان أبعدهم صيتا و اكثرهم ذكرا جمال الدين بن هشام الانصاري المتوفي سنة
761 ه فقد ألف في هذا الباب عدة كتب أشهرها و أعظمها (مغني اللبيب عن كتب
الاعاريب) و الذي أصبح أهم مرجع في نحو اللغة العربية لا زال يتدارسه أهل العربية
حتى زماننا، لذلك وضعت عليه عشرات الحواشي و الشروح ليسهل حفظه، و ابن هشام من
أكثر النحويين استثمار للشواهد و ايرادا لها سواء كان من القرآن أو الحديث أو
المثل السائر، أو بالشعر و النثر. و قد لاحظ الجلال السيوطي أن اتمام الفائدة و
تحقيقا لصحة الاستشهاد ان ينسب كل قول لقائله و يحل ما يشكل من لفظ أو معنى لفظ، و
ان يعرّف بصاحب الشاهد فكان كتابه هذا (شرح شواهد المغني).
و الكتاب على ضخامته ليس للسيوطي
فيه الا الجمع و الترتيب، و ان كان لا يخلو من بدوات أو فقرات يعبر السيوطي عن
رأيه فيها. و هو مع هذا كله كلف نفسه جهدا و صبرا و مشقة، اذ لم يكتف بذكر الشاهد
و اسم قائله، و انما يدرج القصيدة كاملة التي منها الشاهد، و ان لم يكن فقسما
كبيرا منها، أو اشهر أبيات القصيدة مع تفسير ما أشكل من كلماتها و صعب. و ان كان
يوجد اختلاف في الرواية فانه يدرج كافة الاختلافات و الروايات مع اسناد كل قول الى
قائله، و قد أودع كتابه كثيرا مما حوته كتب اللغة و الشعر، و بذل مجهودا مشكورا في
ترتيب ما نقله و وضعه في محله، و هو مما يدل على سعة اطلاعه و احاطته الشاملة، الى
امانة في النقل و ذكر المرجع الذي نقل عنه، و لربما نجد احيانا انه يتصرف في
العبارة أو يبتر قسما منها، و أنا بذلك لا أتهم السيوطي و انما ارجع السبب الى
اختلاف نسخ كتب الأدب أو اللغة التي ينقل عنها السيوطي مما نلاحظه الآن في
مخطوطاتنا و ان الاصل بذلك تخليط الذي يخط الكتاب أو صعوبة قراءة الخط ...