فطالبهما (١) بالسّبب في اختيار كونها موصولة ، مع أنّ الزّجّاج اختار
أنّها (٢) كافّة [ولقول النّحاة (٣) إنّما لإثبات ما يذكر بعده ونفي ما سواه] أي
سوى ما يذكر بعده ، أمّا في قصر الموصوف نحو : إنّما زيد قائم ، فهو لإثبات قيام
زيد ، ونفي ما سواه من القعود ونحوه (٤) وأمّا في قصر الصّفة نحو إنّما يقوم زيد
فهو لإثبات قيامه (٥) ونفي ما سواه من قيام عمرو وبكر وغيرهما ، [ولصحّة (٦)
انفصال الضّمير معه] أي مع إنّما نحو : إنّما يقوم أنا ،
(١) أي طلب من
السّكّاكي والمصنّف ما هو السّبب والعلّة في اختيارهما كون ما موصولة.
(٢) أي ما
كافّة نظرا إلى كونها في القرآن مرسومة متّصلة ، والموصولة ترسم منفصلة.
(٣) أي هذا
الوجه الثّاني لإفادة إنّما القصر ، وتضمّنها معنى ما وإلّا.
وحاصل هذا
القول : إنّ النّحاة الّذين أخذوا النّحو من كلام العرب يقولون بكون إنّما للحصر ،
أي إثبات ما يذكر بعده ، ونفي ما سواه ، فدلالتها على ذلك دليل على تضمّنها معنى
ما وإلّا ، فمعنى ما هو النّفي ، ومعنى إلّا هو الإثبات.
وبعبارة أخرى :
إنّ دلالة إنّما على الحصر دليل على تضمّنها ما الّتي هي للنّفي ، وعلى معنى إلّا
الّتي هي للإثبات ، والحاصل
: إنّه لمّا كان
مفاد إنّما ومفاد ما وإلّا واحدا دالّ على أنّها بمعناهما ، فاندفع ما يقال : إنّ
قول النّحاة إنّما يدلّ على وجود معنى القصر في إنّما لا على خصوص تضمّنها معنى ما
وإلّا ، فالدّليل لا ينتج المدّعى.
(٤) أي
كالاضطجاع.
(٥) أي قيام
زيد ، ونفي سواه من قيام عمرو وبكر وغيرهما ، أي غير عمرو وبكر.
(٦) إشارة إلى
الوجه الثّالث من الوجوه الثّلاثة ، أي إنّما يفيد القصر لصحّة انفصال الضّمير معه
، قال بعضهم : إذا أريد حصر الفعل في الفاعل المضمر ، فإنّ ذكره بعد الفعل شيء من
متعلّقاته وجب الفاعل وتأخيره ، كما في قولك : إنّما ضرب زيدا أنا ، وكما في بيت
الفرزدق الآتي ، فإنّه إذا لم يفصل ، ولم يؤخّر لتبادر إلى الفهم أنّ المقصود
الحصر على ذلك المتعلّق ، وإن لم يذكر ، يجوز الانفصال نظرا إلى المعنى ،
والاتّصال نظرا إلى اللّفظ ، إذ لا فاصل لفظيّا ، فظهر بما ذكرنا أنّ المراد
بالصّحّة في كلام المصنّف عدم الامتناع الشّامل للوجوب والجواز.
لا
يقال : إنّ هذا
الدّليل فيه دور ، وذلك لأنّ صحّة الانفصال متوقّفة على التّضمّن كما قال الشّارح
: ولا يعرف التّضمّن إلّا بصحّة الانفصال للاستدلال بها عليه.