[والأوّل] أي
قصر الموصوف على الصّفة [من الحقيقيّ (١) نحو : ما زيد إلّا كاتب إذا أريد أنّه لا
يتّصف بغيرها (٢)] أي غير الكتابة من الصّفات [وهو (٣) لا يكاد يوجد لتعذّر
الإحاطة بصفات الشّيء] حتّى (٤) يمكن إثبات شيء منها ونفي ما عداها بالكلّيّة ، بل
(٥)
(١) قوله : «من
الحقيقيّ» حال من الأوّل ، أي النّوع الأوّل حال كونه من الحقيقيّ ، فإنّ الصّحيح
هو صحّة وقوع الحال من المبتدأ والخبر ، ولا وجه لاشتراط كون صاحب الحال فاعلا أو
مفعولا.
(٢) هذا قيد في
المثال ، أي هذا المثال إنّما يكون من الحقيقيّ إذا أريد أنّ زيدا لا يتّصف بغيرها
، أي بكلّ مغاير لها من الصّفات ، وأمّا إذا أريد أنّه يتّصف بالكتابة لا بمقابلها
فقطّ ، كالشّعر مثلا ، كان القصر في المثال من القصر الإضافيّ.
(٣) أي قصر
الموصوف على الصّفة «لا يكاد» معناه «يوجد» حقيقة من البليغ المتحرّي للصّدق ،
وغير قاصد للمبالغة ، وإنّما قلنا ذلك لأنّه كثيرا ما يقع في كلامهم عند قصد
المبالغة أو عند عدم التّحرّي للصّدق ، وعدم المبالاة بالكذب.
ثمّ إنّ لفظ «لا
يكاد» يعبّر عنه تارة عن قلّة وجود الشّيء ، فيقال : لا يكاد يوجد بمعنى أنّه لا
يوجد إلّا نادرا تنزيلا للنّادر منزلة الّذي لا يقارب الوجود مبالغة.
وتارة يعبّر به
عن نفي الوقوع والبعد عنه ، أي لا يقرب ذلك الشّيء إلى الوجود أصلا ، وهذا الثّاني
هو المناسب لقوله : «لتعذّر الإحاطة» بصفات الشّيء عادة ، لأنّه إذا تعذّر للمخلوق
الإحاطة بصفات الشّيء لا يصحّ أن يأتي به قاصدا لمعناه الحقيقيّ ، وذلك لعدم
تمكّنه حينئذ من الاحتراز عن الكذب. إذ ما من موجود إلّا ويكون له صفات يتعذّر
الإحاطة بها ، وهذا القصر متضمّن لنفي جميع ما عدا الوصف عن هذا الموصوف الموقوف
على الإحاطة المتعذّرة ، لأنّ العاقل لا يحيط بأوصاف نفسه لا سيّما الباطنيّة
والاعتباريّة ، فكيف بأوصاف غيره!
(٤) لفظة «حتّى»
ليست للغاية بل تعليليّة ، والمعنى ليست الإحاطة بجميع صفات الشّيء ممكنة ليثبت له
شيء منها ، وينفي عنه ما عداه.
(٥) إضراب
انتقال عن التّعذّر العادّي إلى التّعذّر العقليّ ، فلا يرد عليه بأنّه لا وجه
لهذا الإضراب ، لأنّ قول المصنّف : «لا يكاد يوجد» يفيد المحاليّة ، وجه عدم
الورود أنّ ما ذكره