فإنّما هو (١) باعتبار المنطقيين ، فمفهوم قولنا : كلّما كانت الشّمس طالعة
فالنّهار موجود ، باعتبار أهل العربيّة الحكم بوجود النّهار في كلّ وقت من أوقات
طلوع الشّمس ، فالمحكوم عليه هو النّهار ، والمحكوم به هو الموجود (٢) ، وباعتبار
المنطقيين الحكم بلزوم وجود النّهار لطلوع الشّمس ، فالمحكوم عليه طلوع الشّمس
والمحكوم به وجود النّهار ، فكم (٣) من فرق بين الاعتبارين (٤) [ولكن لا بدّ من
النّظر ههنا (٥) في إن
(١) أي وما
يقال ، فقوله : «فإنّما ...» خبر المبتدأ أعني» ما يقال ...».
(٢) والشّرط
قيد للوجود ، ومفهوم القضيّة أنّ الوجود يثبت للنّهار على تقدير طلوع الشّمس ،
وظاهر أنّ الجزاء باق على ما كان عليه من احتمال الصّدق والكذب ، وصدقها باعتبار
مطابقة الحكم بثبوت الوجود للنّهار حينئذ ، وكذبها بعدمها.
وأمّا عند
المنطقيّين فالمحكوم عليه هو الشّرط ، والمحكوم به هو الجزاء ، ومفهوم القضيّة
الحكم بلزوم الجزاء للشّرط ، وصدقها باعتبار مطابقة الحكم باللّزوم ، وكذبها
بعدمها ، فكلّ من الطّرفين قد انخلع عن الخبريّة واحتمال الصّدق والكذب.
(٣) لفظة كم
هنا للّتكثير ، يعني أنّ هناك فروقا كثيرة ، فرق في المحكوم عليه ، وفرق في
المحكوم به ، وفرق في الحكم ، وتعرف هذه الفروق بأدنى تأمّل.
(٤) أي بين
اعتبار أهل العربيّة وأهل الميزان. قال عبد الحكيم : فإن فما الفرق بين مذهبي أهل
العربيّة وأهل الميزان ، فإنّ المآل واحد.
الفرق إنّ
الشّرط عند أهل العربيّة مخصّص للجزاء ببعض التّقديرات ، حتّى أنّه لو لا التّقييد
بالشّرط كان الحكم الّذي في الجزاء عامّا لجميع التّقديرات ، فيكون التّقييد
مفهومه مفهوم مخالفة ، كما ذهب إليه الشّافعيّة. وعند أهل الميزان كلّ واحد من
الشّرط والجزاء بمنزلة جزء القضيّة الحمليّة ، لا يفيد الحكم أصلا ، فلا يكون
الشّرط مخصّص الجزاء ببعض التّقديرات ، فلا يتصوّر مفهوم المخالفة ، بل هو ساكت
عنه ، كما هو مذهب الحنفيّة ، وفيه اعتراضات وأجوبة ، لا مجال لذكرها في هذا
المختصر.
(٥) أي في هذا
العلم أي لا بدّ من النّظر في أحرف الشّرط الثّلاثة ، وهي» إن وإذا ولو» أي لابدّ
من بيان معاني هذه الثّلاثة فقوله : «ولكن ...» استدراك من قوله : «وقد بيّن ذلك
في علم النّحو» ، ودفع لما ربّما يتوهّم من أنّ المصنّف حينئذ لا يبحث عنها أصلا
في هذا الكتاب.