إن قال قائل: ما الذي منع من تقديم خبر (ما) عليها[1]؟
قيل له: لأنها[2]حرف مشبه بالفعل، فلم تبلغ قوتها
أن تتصرف في معمولها إذ كانت هي في نفسها لا تتصرف[3].
فإن قال قائل: فما الذي أوجب إبطال عملها إذا فصلت بين الاسم و الخبر
بإلا[4]؟
قيل له: لأن إلا توجب الخبر فبطل معنى (ما) فإنما هي مشبهة بليس من
جهة المعنى لا اللفظ، فإذا زال المعنى بطل عملها؛ لأن الشبه قد زال فرجعت إلى
أصلها.
و اعلم أن الأقيس في (ما) ألا تعمل شيئا و إنما كان الأقيس فيها هذا
لأنها تدخل على الاسم و الفعل كما تدخل حروف الاستفهام عليهما[5]، و إنما يعمل العامل في الجنس إذا استبدّ به دون غيره، و هذا أصل في
العوامل، و (ما) في هذا ليست بالأسماء أولى منها بالأفعال، و لكن أهل الحجاز لما
رأوها بمعنى (ليس) تنفي ما في الحال و المستقبل أجروها مجراها في العمل، و أصل
موضع عمل الأفعال
[1]قال الخليل:" و لا يقدمون خبر (ما)
عليه، لا يقولون: قائما ما زيد، لأنه لا يقدم منفي على نفي ..." انظر الجمل
في النحو المنسوب للخليل 305.
[3]قال سيبويه:" فإذا قلت: ما منطلق عبد
اللّه، أو ما مسيء من أعتب، رفعت. و لا يجوز أن يكون مقدما مثله مؤخرا، كما أنه
لا يجوز أن تقول: إنّ أخوك عبد اللّه على حد قولك: إن عبد اللّه أخوك، لأنها ليست
بفعل، و إنما جعلت بمنزلته فكما لم تتصرف إنّ كالفعل كذلك لم يجز فيها كل ما يجوز
فيه و لم تقو قوته فكذلك ما".