التقريب الثاني ـ هو الاستفادة من كلمة ( الباطل ) ، حيث إنّ الاستثناء سواءفرض متّصلا أو منقطعاً يدلّ على أنّ التجارة عن تراض ليست باطلة ، إذ لا يتقبّل عرفاً أن يقال : « لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلاّ هذا الباطل » . وهذا يعني صحّة التجارة المنصرفة إلى الصحّة بالمعنى الذي قصده المتعاملان من التمليك والتملّك ، فهذه الدلالة تتمّ سواء فرضنا أنّ الاستثناء منقطع تمسّكاً بأصالة عدم التقدير ، أو فرضناه متّصلا بأن قدّرنا شيئاً يناسب المورد كأن نقول : إنّ التقدير ما يلي : « لا تأكلوا أموالكم بينكم بكلّ سبب فإنّه باطل ، إلاّ أن تكون تجارة عن تراض » وذلك باعتبار أنّ الاستثناء المنقطع بطبعه وبلا نكتة ومناسبة ليس عرفيّاً ، بخلاف التقدير والحذف ، فإنّه وإن كان خلاف الأصل لكنّه أمر عرفيّ ومقبول ، وكثير الوقوع فى الاستعمالات .
ثمّ إنّه ذكر في بلغة الفقيه[1] إشكالا على التمسّك بهذه الآية لصحّة المعاطاة ، وهو أنّ هذه الآية وزانها وزان : لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب ، ولا صلاة إلا بطهور ، ونحو ذلك ممّا يكون مركز عموم الحكم فيه هو حكم المستثنى منه لما عدا موارد المستثنى ، وليس مركز العموم هو حكم المستثنى لجميع موارده . فقوله مثلا : « لا صلاة إلاّ بطهور » يعني عموم بطلان الصلاة لكلّ موارد عدم الطهارة ، ولا يعني عموم صحّة الصلاة لكلّ موارد الطهارة بحيث لو صلّى متطهّراً مستدبراً للقبلة مثلا لكان هذا الكلام دليلا على صحّة صلاته . فآية التجارة عن تراض من هذا القبيل ، فهي إنّما تدلّ على عموم حرمة أكل المال لكلّ موارد فقدان التجارة عن تراض ، ولا تدلّ على جواز أكل المال في كلّ موارد حصول التجارة عن تراض ، أي أنّها مسوقة لبيان شرطيّة المستثنى من دون نفي شرطيّة شيء آخر .