وإن هو في رأينا إلاّ غصناً من أغصان الشوق، ولا نرانا بحاجة إلى البحث المستقلّ عنه، إلاّ أنّ العارف المعروف (عبدالله الأنصاريّ) جعله بحثاً مستقلاًّ، وقال عنه: إنّه كناية عن غلبة ولوع بمأمول، ونزّل عليه قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ الَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ﴾ يعني: أنّ سيّدنا إبراهيم لولا شدّة عطشه إلى لقاء محبوبه، لما ظنّه الكوكب; إذ كلّ إنسان إذا رأى السراب ذكر الماء.
ولكن هذا الكلام مفضوح إلى درجة أنّ شارح كتابه (عفيف الدين سليمان التلمسانيّ) اضطرّ أن يؤوّله ويحمله على حكم الإشارة، وقال[1]: «هذا على حكم الإشارة، وإلاّ فخليل الرحمن ـ صلوات الله عليه ـ إنّما ذكر على وجه الدلالة على أ نّه لا يجوز أن يُعبد شيء ذو نقيصة بوجه مّا، فكأ نّه أشار إلى كمال المعبود ـ عزّ وجلّ ـ بما نبّه عليه من نقائص الكوكب والقمر والشمس والاُفول، وأراد الإشارة إلى أنّ الحقّ تعالى لا يغيب عن مخلوقاته، ولا ينبغي له ذلك جلّت قدرته وتقدّست صفاته».
5 ـ الوجد:
وهي الحالة التي تحصل من مستوىً من الشهود الذي يتحقّق لدى المكاشفة، فيُنسيه كلّ شيء.
أرى رسمها عندي يعوّض عن رسمي * فما بالهم في الحيّ يدعونني باسمي
وهل بعد ضوء الشمس يبدو لك الدُجى * وهل عندها يبقى على الاُفق من نجم[2]
[1] في ص 417.
[2] من أبيات لعفيف الدين التلمسانيّ في شرحه لمنازل السائرين، ص 428.