وليزكي النفوس ويعلمهم الكتاب هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (الجمعة/ 2) فتزكية النفوس وتعليم الكتاب هي من أهم مسؤوليات الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم ليخرج الناس من الرؤى المعكوسة للحياة، إذ لو كانت رؤية الانسان للحياة معكوسة، ولا يرى فرقاً بينه وبين الحيوان، أو كان دهرياً لا يرى وراء هذه الدنيا عالماً آخر، وأنها هي نهاية المطاف ونهاية الطبيعة، أو كان الانسان منكراً للحقائق العقائدية، فلا يرى للجزاء وجوداً؛ فلا معنى حينها لصلاته ولا تنفعه زكاة ماله وما أشبهها.
من هنا يتجلى لكل لبيب معنى خلافة الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم وتتضح له أبعادها اللامتناهية، وأنها ليست منحصرة في الفروع فقط وإنما هي قبل ذلك في الاصول، كما إن ولاية أهل البيت عليهم صلوات الله لاتعني مجرد اتباعهم في المسائل الفقهية الفرعية فحسب. بل إن الاعتقاد بولاية أهل البيت عليهم السلام يعني الاعتقاد بنهجهم وسيرتهم في الحياة، ويعني موالاتهم في رؤاهم وبصائرهم، اذ إن توجيهاتهم وأحاديثهم عليهم السلام لم تكن منحصرة في الفروع، تماماً كتوجيهات وأحاديث الرسول صلى الله عليه وآله، بل الفروع لم تكن تشكل إلّا جزءً يسيراً من أحاديثهم، أن الغالبية العظمى من كلماتهم عليهم السلام، إنما كانت تدور حول العقائد .. حول التوجيه الى الله تعالى، وتفسير الخلقة، وبيان الكون، وبيان طبيعة الانسان، ثم بيان الاخلاق الحسنة والتوجيه الى الآخرة وبيان فلسفة الآخرة وبيان حكمة الخلق، الى غير ذلك من البصائر المتجلية في كلام وسيرة الرسول الاعظم والأئمة من أهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين.