حتى بلغنا المشعر، فإذا هو وادٍ يحدّه: المأزمان ووادي محسر والحياض، وهو داخل في حدود الحرم، بينما عرفات خارجة عنها، ولذلك لا يجوز التقاط حصى الجمرات من عرفات، ويجوز بل يندب من المشعر الحرام.
وقد مُلِئ هذا الوادي بالسيارات التي وقفت وبجنبها بات حجاجها لكيلا يضلّوا الطريق، فلا يهتدون إلى سياراتهم، فمن شأن هذا الوادي أن الإنسان إذا ابتعد عن محلّه خطوات فرجوعه معجزة من المعجزات، إذ إن الظلام مطبق والسيارات مزدحمة بغير انتظام، والناس كلّهم مُحرِمون سواسية كأسنان المشط، لا يُهتدى إليهم إلَّا بالصوت والنداء، كما قد اتفق لي فإني تهت الطريق بحيث ما كنت أشعر حتى الجهة التي جئت منها، أمن الشرق أم من الغرب أو من الشمال أو الجنوب، فكنت أضرب يمينًا وشمالًا في الوادي الواسع وأركض في الطول حينًا وفي العرض آخر، وليس أحد يعرف موضعنا حتى أسأله كما لم يكن أحد يشاطرني التفقّد مخافة أن يضل كما ضللت.
ومن المضحك أني مررت وأنا ضائع بحلقة من الحجاج الإيرانيين، قد جلسوا آخذين أطراف الحديث يتلقفونه من هنا إلى
هناك، فذهبت إليهم علّهم يعينوني بشيء من معلوماتهم، فلما سلّمت عليهم وكدت أن أستعين بهم، فإذا بهم قد ضلّوا الطريق مثلي، ولم يكونوا