فأحرمنا وعزمنا أن نسير نحو عرفات؛ وعرفات وادٍ عَرَف النبي إبراهيم عليه السلام فيه صدق رؤياه، كما تعارف فيه آدم عليه السلام مع حوّاء، والحاج يعترفون فيه بالذنوب فتغفر لهم. يسير إليه الحجاج الملبّون في يوم التروية غالبًا ليتبوؤوا مقاعدهم المُعدّة لهم، وينتظروا فيها وقت الوقوف، ويذهب قبلهم المطوفون لنصب الخيام لحجاجهم، وإجراء التدابير اللازمة للوقوف.
فانحدرنا نحو عرفات في ازدحام من الجماهير الملبّية، واندفاع من سياراتهم الكثيرة، حتى أطللنا على واديها، فإذا بنا نرى رؤوس الخيم البيض كلما استطاع البصر أن يرى، وكلها تستقبل ضيوف الربّ الودود، أما في الشوارع فلم تكد ترى إلّا رؤوساً متراصة وجماهير متدفقة.
وأما داخل الخيام فصوت الدعاء والاستغفار والتضرّع والتوبة يدوي في الفضاء الكبير مندلعًا من فم مئات الألوف، وقد انحسر القناع عن الرؤوس، وارتفعت الرياش عن الأجسام، وتباعدت الأخفاف عن