responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : بحار الأنوار - ط دارالاحیاء التراث نویسنده : العلامة المجلسي    جلد : 76  صفحه : 245

معناه: ليس منا من لم يستغن به، ولا يذهب به إلى الصوت، وقد روي أن من قرء القرآن فهو غني لا فقر بعده.
وروي أن من أعطي القرآن فظن أن أحدا " أعطي أكثر مما أعطي فقد عظم صغيرا "، وصغر كبيرا "، ولا ينبغي لحامل القرآن أن يرى أن أحدا " من أهل الأرض أغنى منه، ولو ملك الدنيا برحبها.
ولو كان كما يقول: إن الترجيع بالقراءة وحسن الصوت، لكانت العقوبة قد عظمت في ترك ذلك أن يكون من لم يرجع صوته بالقراءة فليس من النبي عليه السلام حين قال: ليس منا من لم يتغن بالقرآن [1].


[١] معاني الأخبار ص ٢٧٩.
ومن المناسب هنا أن نبحث عن أنه كيف ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله الرخصة في التغني والغناء وضرب الدف والطبل وسماع الحداء. وأنكر أئمتنا عليهم الصلاة والسلام من زمان مولانا أبى جعفر محمد الباقر إلى آخرهم شديدا " عن سماع الغناء والملاهي و ضرب الدف والعرطبة وأمثال ذلك فأقول:
السر في ذلك تطور الغناء واستعمال آلات اللهو من الدف والطبل والمزمار من البساطة والسذاجة إلى صناعة الغناء والموسيقى، وتبديل الفطرة في الغناء الطبيعي و أغراضها المعقولة إلى البطالة واللهو والتعشق التي آلت أمرها إلى نبذ الكتاب وراء ظهورهم ونسيان ما ذكروا به من آيات الله وأحكامه.
قال العلامة ابن خلدون في مقدمة تاريخه في الفصل الذي عقده للبحث عن صناعة الغناء: ان الأصوات لها كيفيات من الهمس والجهر والرخاوة والشدة والقلقلة والضغط وغير ذلك، والتناسب فيها هو الذي يوجب لها الحسن، فأولا ألا يخرج من الصوت إلى ضده دفعة بل بتدريج ثم يرجع كذلك وهكذا إلى المثل بل لابد من توسط المغاير بين الصوتين... فإذا كانت الأصوات على تناسب في الكيفيات كما ذكره أهل تلك الصناعة كانت ملائمة ملذوذة.
ومن هذا التناسب ما يكون بسيطا "، ويكون الكثير من الناس مطبوعين عليه لا يحتاجون فيه إلى تعليم ولا صناعة، كما نجد المطبوعين على الموازين الشعرية وتسمى هذه القابلية المضمار، وكثير من القراء بهذه المثابة: يقرؤن القرآن فيجيدون في تلاحين أصواتهم كأنها المزامير، فيطربون بحسن مساقهم وتناسب نغماتهم.
ومن هذا التناسب ما يحدث بالتركيب، وليس كل الناس يستوى في معرفته، ولاكل الطباع توافق صاحبها في العمل به إذا علم، وهذا هو التلحين الذي يتكفل به علم الموسيقى وهي تلحين الاشعار الموزونة بتقطيع الأصوات على نسب منتظمة معروفة يوقع على كل صوت منها توقيعا عند قطعه فتكون نغمة، ثم تؤلف تلك النغم بعضها إلى بعض على نسب متعارفة فيلذ سماعها لأجل ذلك التناسب وما يحدث عنه من الكيفية في تلك الأصوات.
وقد يساوق ذلك التلحين في النغمات الغنائية بتقطيع أصوات أخرى من الجمادات اما بالقرع أو بالنفخ في الآلات تتخذ لذلك فيزيدها لذة السماع كالشبابة والمزمار والزلامى - أو الزنامى - والبوق والبربط والرباب والقانون و غير ذلك.
ولا يستدعى هذه الصناعة الا من فرغ عن جميع حاجاته الضرورية والمهمة ولا يطلبها الا الفارغون عن سائر أحوالهم تفننا في مذاهب الملذوذات، وقد كان في سلطان العجم قبل الملة منها بحر زاخر في أمصارهم ومدنهم، وكان ملوكهم يتخذون ذلك ويولعون به.
وأما العرب:
فكان لهم أولا فن الشعر يؤلفون فيه الكلام أجزاء متساوية على تناسب بينها في عدة حروفها المتحركة والساكنة، ويسمونها البيت، فلهجوا به، فامتاز من بين كلامهم بحظ من الشرف ليس لغيره لأجل اختصاصه بهذا التناسب، وهذا التناسب قطرة من بحر من تناسب الأصوات، الا انهم لم يشعروا بما سواه لأنهم حينئذ لم ينتحلوا علما " ولا عرفوا صناعة، بل كانوا مطبوعين عليه، وكانت البداوة أغلب نحلهم.
ثم تغنى الحداة منهم في حداء إبلهم، والفتيان في فضاء خلواتهم، فرجعوا الأصوات وترنموا، وكانوا يسمون الترنم إذا كان بالشعر غناء وإذا كان بالتهليل أو نوع القراءة تغبيرا "، لأنها تذكر بالغابر، (وهو الماضي من أحوال الأمم الماضين والباقي من أحوال الآخرة) وربما ناسبوا في غنائهم بين النغمات مناسبة بسيطة، وكانوا يسمونه السناد.
وكان أكثر ما يكون منهم في الخفيف الذي يرقص عليه، ويمشى بالدف والمزمار فيطرب ويستخف الحلوم، ولم يزل هذا شأن العرب في بداوتهم وجاهليتهم وهكذا في صدر الاسلام حيث كانوا مع غضارة الدين وشدته في ترك أحوال الفراغ وما ليس بنافع في دين ولا معاش، حتى إذا استولوا على ممالك الدنيا وحازوا سلطان العجم وغلبوهم عليه، وجاءهم الترف، وغلب عليهم الرفه بما حصل لهم من غناء الأمم، هجروا ذلك وصاروا إلى نضارة العيش ورقة الحاشية، وافترق المغنون من الفرس والروم فوقعوا إلى الحجاز وصاروا موالي للعرب، وغنوا جميعا " بالعيدان والطنابير والمعازف و المزامير بلسانهم، وسمع العرب تلحينهم ذلك، فلحنوا عليها أشعارهم، وما زالت صناعة الغناء تتدرج إلى أن كملت أيام بنى العباس عند إبراهيم بن المهدى وإبراهيم الموصلي وابنه إسحاق وابنه حماد وكان من ذلك في دولتهم ببغداد ما تبعه الحديث به وبمجالسه لهذا العهد، فأمنعوا في اللهو واللعب، واتخذت آلات الرقص من الكرج وغيرها للولائم والأعراس وأيام الأعياد ومجالس الفراغ واللهو. انتهى بتلخيص وتقديم وتأخير.
وقال أبو الفرج في ترجمة سائب خاثر:
وقال ابن خرداذبه: كان عبد الله بن عامر اشترى إماء صناجات وأتى بهن المدينة فكان لهن يوم في الجمعة يلعبن فيه، وسمع الناس منهن فأخذ عنهن، ثم قدم رجل فارسي يسمى بنشيط، فغنى فأعجب عبد الله بن جعفر به، فقال له سائب خاثر: - وكان انقطع إليه و عرف به - أنا أصنع لك مثل غناء هذا الفارسي بالعربية، ثم غدا على عبد الله بن جعفر، وقد صنع:
لمن الديار رسومها قفر * لعبت بها الأرواح والقطر وقال ابن الكلبي: هو أول صوت غنى به في الاسلام من الغناء العربي المتقن الصنعة.
أقول: فتراهم في صدر الاسلام والنبي صلى الله عليه وآله بين أظهرهم إنما يتغنون بالغناء الساذج الفطري الذي طبعوا عليه بفطرة من الله وعرفوه بالهامه عز وجل فتارة يضربون معه بالدف الساذج في زفافهم وأعراسهم ويغنون بالترنم كما علمهم النبي صلى الله عليه وآله:
أتيناكم أتيناكم * فحيونا نحييكم فلولا الذهبة الحمراء * ما حلت فتاتنا بواديكم أو يضربن جوار من بنى النجار بالدفوف ويقلن:
نحن جوار من بنى النجار * يا حبذا محمد من جار وهذا حين قدم النبي صلى الله عليه وآله المدينة ونزلت على أبى أيوب، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله إليهم من دون نكير فقال: أتحبونني؟ فقالوا: بلى والله يا رسول الله، قال: أنا والله أحبكم ثلاث مرات.
وتارة يتغنون ويترنمون بالرجز الخفيف ويحدون إبلهم على السير السريع، وقد كان له صلى الله عليه وآله في حجة الوداع حاديان: البراء بن مالك يحدو بالرجال، وانجشه الأسود الغلام الحبشي يحدو بالنساء، وفى ذلك قال له صلى الله عليه وآله " رويدا " يا أنجشة رفقا بالقوارير " يعنى النساء.
وقد عرفت في تفسير قوله تعالى: " وإذا رأوا تجارة أو لهوا " " أنهم كانوا يزفون عرائسهم بالنهار ويضربون بالدف وقد يمرون بها من باب مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله فلا ينكر عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وتارة يضربون بالطبل لايذان الناس بمجيئ التجارة والميرة فيسمع ذلك رسول الله ولا ينكر عليهم، لان في ذلك غرضا " عقلائيا "، ليس ذلك للهو واللعب والترقص.
وأما القرآن المجيد فإنما أنكر في هذه الآية على المصلين الذين ينصرفون إلى استماعه ويتركون رسول الله صلى الله عليه وآله قائما يخطب، ولم يذكر المغنين للعرس والضاربين بالطبل للتجارة لا بمدح ولا قدح، وإنما قال عز وجل " قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين ".
فهذا حال الغناء والضرب بالدف والطبل، ومثلها المزمار الذي يتخذه الرعاة لجمع مواشيهم وأغنامهم، ليس بها بأس، وقد فعلوا ذلك بمرئى ومسمع من رسول الله صلى الله عليه وآله.
وأما بعد ذلك فكما عرفت من المؤرخ الكبير ابن خلدون وأشار إليه أبو الفرج صاحب الغناء والأغاني، قد خرج والضرب بالدف والطبول إلى البطالة واللهو والترقص والتعشق، وصار مقصودا " لذاته يستلذون به بعد ما كان حين حياة النبي صلى الله عليه وآله وبعده بيسير مقصودا لغيره، فلذلك أفتى أبو جعفر الباقر وابنه جعفر الصادق وهكذا سائر الأئمة عليهم السلام واحدا بعد واحد في عصرهم بعدم جواز التغني و هكذا ضرب المعازف وغيرها، وأنكروا على المسلمين شديدا " حين شاع الغناء الصناعي في أندية المسلمين على أيدي خلفاء بنى العباس، وجعلوها من الباطل مقابل الحق الذي ليس وراءه الا الضلال، وكل ضلالة سبيلها إلى النار.

نام کتاب : بحار الأنوار - ط دارالاحیاء التراث نویسنده : العلامة المجلسي    جلد : 76  صفحه : 245
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست