responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : بحار الأنوار - ط دارالاحیاء التراث نویسنده : العلامة المجلسي    جلد : 55  صفحه : 47

قال أمير المؤمنين عليه السلام: (ما قلعت باب خيبر بقوة جسمانية بل بقوة ربانية) والمعنى الذي يمكن فهمه ولا ينافي أصول الدين من الفناء في الله والبقاء بالله هو هذا المعنى [1]. وبعبارة أخرى: الحجب النورانية الموانع التي للعبد عن الوصول إلى قربه وغاية ما يمكنه من معرفته سبحانه من جهة العبادات كالرئاء والعجب والسمعة والمراء وأشباهها، والظلمانية ما يحجبه من المعاصي عن الوصول إليه، فإذا ارتفعت تلك الحجب تجلى الله لي في قلبه، وأحرق محبة ما سواه حتى نفسه عن نفسه وسيأتي تمام القول في ذلك في كتاب الايمان والكفر إنشاء الله تعالى، وكل ذلك لا يوجب عدم وجوب الايمان بظواهرها إلا بمعارضة نصوص صحيحة صريحة صارفة عنها وأول الالحاد سلوك التأويل من غير دليل، والله الهادي إلى سواء السبيل.


[1] الطريق الذي سلكه العلامة المؤلف رضوان الله عليه في كلامه هذا أشبه بطرق أهل الذوق وبياناتهم فلا بأس بالإشارة إلى طريق أهل البحث والنظر ليكون النفع أعم والفائدة أتم والله المستعان.
العالم المادي عالم الحركة والتكامل، والنفس أيضا لتعلقها بالبدن المادي بل اتحادها به محكوم بهذا الحكم فهي لا تزال تسير في منازل السير وتعرج على مدارج الكمال وتقترب إلى الحق المتعال حتى تصل إلى ثغور الامكان والوجوب فعندئذ ينتهى السير ويقف الحركة (وان إلى ربك المنتهى) ومنازل السير هي المراتب المتوسطة بين المادة وبين أشرف مراتب الوجود وهي بوجه ينقسم إلى مادية وغير مادية والأولى هي المراحل التي تقطعها حتى تصل إلى حد التجرد والثانية هي المراتب الكمالية العالية التي فوق ذلك وحيث إن نسبة كل مرتبة عالية بالنسبة إلى ما تحته نسبة العلة إلى المعلول والمعنى الأسمى إلى الحرفي والمستقل إلى غير المستقل كانت المرتبة العالية مشتملة على كمالات المرتبة الدانية من غير عكس فكلما أخذ قوس الوجود في النزول ضعفت المراتب وكثرت الحدود العدمية، وكلما أخذ في الصعود اشتدت المراتب وقلت الحدود إلى أن تصل إلى وجود لاحد له أصلا ووصول النفس إلى كل مرتبة عبارة عن تعلقها بتلك المرتبة، وبعبارة أخرى بمشاهدة ارتباطها بها بحيث لا ترى لنفسها استقلالا بالنسبة إليها، وإن شئت قلت: بفنائها عن ذاتها وخروجها عماله من الحدود بالنسبة إليها.
وبعد هذه المقدمة نقول: الحدود اللازمة لكل مرتبة العارضة لحقيقة وجود الشئ الذي في تلك المرتبة هي التي تحجب ذلك الشئ من الوصول إلى المرتبة العالية وإدراك مالها من الكمال والعظمة فإذا خرج الشئ عن هذه الحدود وخلع تلك القيود أمكنه الترقي إلى درجة ما فوقه فيرى عندئذ ذاته متعلقة به غير مستقلة عنه ويعرف ماله من البهاء والشرف والكمال والعظمة، فتلك الحدود هي الحاجبة عن حقيقة الوجود المطلقة عن كل قيد فالنفس الوالهة إلى اللذائذ المادية هي المتوغلة في ظلمات الحدود وغواشي القيود، وهي أبعد النفوس عن الحق تعالى، فكلما انخلعت من القيود المادية وقطعت تعلقها عن زخارف هذه الدنيا الدنية اقتربت من عالم النور والسرور والبهاء والحبور، حتى تتجرد تجردا ساميا فتشاهد نفسها جوهرا مجردا عن المادة والصورة وعند ذلك خرجت عن الحجب الظلمانية، وهي حقيقة الذنوب والمعاصي والأخلاق الذميمة، ورأسها حب الدنيا والاخلاد إلى أرض الطبيعة، وقد روى الفريقان عن النبي صلى الله عليه وآله (حب الدنيا رأس كل خطيئة) لكنها بعد محتجبة بالحجب النورانية وهي ألطف وأرق ولذا كان تشخيصها أصعب، ومعرفتها إلى الدقة والحذاقة أحوج، فرب سالك في هذه المسالك لما شاهد بعض المراتب الدانية زعم أنه وصل إلى أقصى الكمالات وأرفع الدرجات، وصار ذلك سببا لتوقفه في تلك المرتبة واحتجابه بها، ونعم ما قيل:
رق الزجاج ورقت الخمر * فتشابها وتشابه الامر فكأنها خمر ولا قدح * وكأنها قدح ولا خمر فمن شمله عناية الحق وساعده التوفيق فخصه الله بعبادته، وهيم قلبه لإرادته، وفرغ فؤاده لمحبته، وأزال محبة الأغيار عن قلبه، وأشرق له نوره، وكشف له سبحات وجهه، ورفع عنه حجب كبريائه وسرادقات عزه وجلاله، وتجلى له في سره، ثم وفقه للاستقامة في أمره والتمكن في مقامه فارتفع عنه كل حجاب، وتعلق بعز قدس رب الأرباب فقد هنأ عيشه وطاب حياته فطوبى له ثم طوبى له. وقد ظهر مما ذكرنا أن معنى ارتفاع الحجاب مشاهدة عدم استقلال النفس فلا يوجب ارتفاع الحجب كلا انعدام العالم رأسا بل إنما يوجب معاينة ما سوى الله تعالى متعلقا به غير مستقل بنفسه فلا يلزم منه محال ولا ينافي شيئا من أصول الدين والله الهادي والمعين.

نام کتاب : بحار الأنوار - ط دارالاحیاء التراث نویسنده : العلامة المجلسي    جلد : 55  صفحه : 47
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست