فإذا وجدتَ نفسك في وادٍ سحيقٍ يُحيط بك الفقر والضعف والمسكنة، فلا
تيأس فإن رحمة الله واسعة، وهو قادر على أن ينتشلك إلى الذُّرى السامقة.
لذلك ترى المؤمنين الذين ارتقوا إلى مستوى (عباد الرحمن) والذين صاغت
شخصياتهم آيات الذكر الحكيم وربَّاهم كلام الله المجيد .. تجدهم يمتازون بالتطلُّع
الذي هو جزء من حقيقة الإنسان، حيث يقول ربنا سبحانه وتعالى:
يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ[1].
فلا يملأ ظمأه إلَّا كأس القُرب منه، ولا يطمئن قلبه إلَّا في رحاب
الزلفى منه. وهكذا تجد تطلُّع عباد الرحمن يبلغ غاية الرفعة. فهم يطلبون في الدنيا
أفضل ما يمكن أن يطلبه الإنسانُ السَّويُّ من عافية وأمنٍ وغنى عن شِرار الناس.
ولله في خلقه الصالحين شؤون؛ إذ تتدرج حاجاتهم، فبعد أن تكتمل
مُتطلَّباتهم الشخصية، التفتوا إلى ما يَهمُّ ذرياتهم وأزواجهم. ثم تطلعوا لأن
يكونوا أفضل المتقين. وإذا عرفنا أن المتقين:
(هُمْ أَهْلُ الْفَضَائِلِ)
[2] كما قال أمير المؤمنين عليه السلام، على النقيض
من الذين يهبطون إلى ما هو أقل من منزلة الأنعام؛ نعرف أبعاد تطلعهم، هذا حيث
تراهم يُريدون أن يكونوا خيرة الخير.
وقد جاء تطلُّعهم في صيغة دعاء؛ لأن الدعاء يعكس الطموح إلى ما عند
الله مما هو خير وأبقى، كما يعني هدفية الإنسان.