استثناءً عن هذه القاعدة الربانية المتعالية، فهو إنما يكون صالحًا
إذا وقعت عليه إرادة الرَّبّ العزيز. ومن هذه الإرادة الربانية العزيزة ما أوضحه
قوله تعالى: كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَا
أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ
الْمُقَرَّبُونَ (21)[1]. أي: إن كتاب الأعمال الصالحة
يبقى كتابًا ناقصًا- بل هو لا يُعَدُّ شيئًا- ما لم يُتبع بإمضاء المقربين ويكون
محط رضاهم. فالقيمة الحقيقية لأي عملٍ يُراد منه أن يكون عملًا صالحًا، هي قيمة
التوقيع والشهادة من المقربين لصالحه؛ وذلك لأن الله تعالى لا يُعبد من حيث يُعصى.
وكما أن الله تعالى واحد أحد في وجوده، كذلك هو واحد في تشريعه، ولا
يرضى أن يشاركه أحد في تشريعه. ومن تجاوز على وحدانية الله تعالى في تشريعه وكونه
المصدر الوحيد لإصدار الأحكام والعقائد الحقة، فإنه في الواقع مُعاند لإرادة الله
ووحدانية مهما ألبس أعماله لبوس الصلاح؛ لأن عمله هذا باطل من أصله، وهو محكوم
سلفًا بأن يكون هباءً منثورًا.
وواضح من صيغة الفعل الماضية في مفردة:
وَقَدِمْنَا أن القاعدة، قاعدة تحوُّل العمل الصالح إلى هباءٍ منثور؛ قاعدة
أصيلة قد حذّر الله تعالى الإنسان منها في الوقت نفسه الذي أنزل إليه الحكم
والتشريع، فهو تعالى قد رحمه وتفضل عليه إذ أوضح له هذه القاعدة الأصيلة.
فالإنسان قد يختار عملًا صالحًا، كالعمل الخاص بمعرفة الله أو عبادته
من صلاة وصيام وجهاد، ولكنه يتجاهل الطريق الذي اختطَّه ربُّه له للسير ضمنه،
وبلوغ الغاية المنشودة، فلن يبلغ تلك