الرسول في السماوات
يقول رسول الله صلى الله عليه واله: (ثُمَّ صَعِدْنَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ فَإِذَا فِيهَا رَجُلَانِ مُتَشَابِهَانِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَانِ يَا جَبْرَئِيلُ؟ فَقَالَ لِي: ابْنَا الْخَالَةِ يَحْيَى وَعِيسَى عليهما السلام فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَا عَلَيَّ وَاسْتَغْفَرْتُ لَهُمَا وَاسْتَغْفَرَا لِي، وَقَالَا: مَرْحَباً بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، وَإِذَا فِيهَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَعَلَيْهِمُ الْخُشُوعُ قَدْ وَضَعَ اللهُ وُجُوهَهُمْ كَيْفَ شَاءَ لَيْسَ مِنْهُمْ مَلَكٌ إِلَّا يُسَبِّحُ الله وَيُحَمِّدُهُ بِأَصْوَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ.
قَالَ: ثُمَّ صَعِدْنَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ فَإِذَا فِيهَا رَجُلٌ فَضْلُ حُسْنِهِ عَلَى سَائِرِ الْخَلْقِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ النُّجُومِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا يَا جَبْرَئِيلُ؟، فَقَالَ: هَذَا أَخُوكَ يُوسُفُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ وَاسْتَغْفَرْتُ لَهُ وَاسْتَغْفَرَ لِي، وَقَالَ: مَرْحَباً بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالْأَخِ الصَّالِحِ وَالْمَبْعُوثِ فِي الزَّمَنِ الصَّالِحِ، وَإِذَا فِيهَا مَلَائِكَةٌ عَلَيْهِمْ مِنَ الْخُشُوعِ مِثْلُ مَا وَصَفْتُ فِي السَّمَاءِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ. وَقَالَ لَهُمْ جَبْرَئِيلُ فِي أَمْرِي مَا قَالَ لِلْآخَرِينَ، وَصَنَعُوا بِي مِثْلَ مَا صَنَعَ الْآخَرُونَ.
ثُمَّ صَعِدْنَا إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ وَإِذَا فِيهَا رَجُلٌ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا إِدْرِيسُ رَفَعَهُ اللهُ مَكاناً عَلِيًّا فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ وَاسْتَغْفَرْتُ لَهُ وَاسْتَغْفَرَ لِي، وَإِذَا فِيهَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ الْخُشُوعِ مِثْلُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ الَّتِي عَبَرْنَاهَا فَبَشَّرُونِي بِالْخَيْرِ لِي وَلِأُمَّتِي، ثُمَّ رَأَيْتُ مَلَكاً جَالِساً عَلَى سَرِيرٍ تَحْتَ يَدَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ تَحْتَ كُلِّ مَلَكٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، فَوَقَعَ فِي نَفْسِ رَسُولِ الله أَنَّهُ هُوَ، فَصَاحَ بِهِ جَبْرَئِيلُ فَقَالَ: قُمْ فَهُوَ قَائِمٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
ثُمَّ صَعِدْنَا إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ فَإِذَا فِيهَا رَجُلٌ كَهْلٌ عَظِيمُ الْعَيْنِ لَمْ أَرَ كَهْلًا أَعْظَمَ مِنْهُ حَوْلَهُ ثُلَّةٌ مِنْ أُمَّتِهِ فَأَعْجَبَتْنِي كَثْرَتُهُمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا يَا جَبْرَئِيلُ؟ فَقَالَ: هَذَا الْمُجِيبُ فِي قَوْمِهِ هَارُونُ بْنُ عِمْرَانَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ وَاسْتَغْفَرْتُ لَهُ وَاسْتَغْفَرَ لِي، وَإِذَا فِيهَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ الْخُشُوعِ مِثْلُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ.
ثُمَّ صَعِدْنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ وَإِذَا فِيهَا رَجُلٌ آدِمٌ
(أي أسمر اللون)
طَوِيلٌ كَأَنَّهُ مِنْ شَبْوَةَ «1» وَلَوْ أَنَّ عَلَيْهِ قَمِيصَيْنِ لَنَفَذَ شَعْرُهُ فِيهِمَا، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: يَزْعُمُ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَنِّي أَكْرَمُ وُلْدِ آدَمَ عَلَى الله وَهَذَا رَجُلٌ أَكْرَمُ عَلَى الله مِنِّي
(وأشار إلى رسول الله)
، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا يَا جَبْرَئِيلُ؟ فَقَالَ: هَذَا أَخُوكَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ وَاسْتَغْفَرْتُ لَهُ وَاسْتَغْفَرَ لِي، وَإِذَا فِيهَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ الْخُشُوعِ مِثْلُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ «2»
.______________________________
(1) شبوة قبيلة عربية معروفة طِوال القامة.
(2) وهكذا فإننا نرى بأن الرسول صلى الله عليه واله يلتقي في كل سماء بنبي أو أكثر تعبيرا عن وحدة الرسالات السماوية وعن الأخوة بين الأنبياء، وعن اختلاف درجات الأنبياء.