أو إلى الاعدام، ومناسبة الظن بما بعده هي إن يوسف عليه السلام كان
موقناً بأن الله سبحانه أرحم الراحمين، وأنه يستجيب له دعاءه بينما كان يظن بنجاة
صاحبه ظنا، وكان ينبغي أن يتوسل بالله قبل توسله بذلك الشخص لأن الله أولى باليقين
من رؤياه حول الشخص التي لو صدقت لتجاوزت حدود الأقدار، وقضاء الله فوق قدره
وإرادته فوق سنته سبحانه وتعالى (فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ
رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) ليربيه ربه
على الإخلاص التام في عبادته سبحانه.
رؤيا الملك
[43] وبعد أن قضى مدة سجنه التي حددها الله له- والتي
طالت سبع سنين حسب ما جاء في الأخبار- بعدئذ هيأ الله له وسيلة نجاته بحلم رآه
الملك (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ
يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ) أي هزال، (وَسَبْعَ
سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ) وأراد من كبار مستشاريه
تفسيرا لرؤياه الغامضة (يَا أَيُّهَا الْمَلأ أَفْتُونِي
فِي رُؤْيَاي إِنْ كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ) أي إن كنتم
تفسرون ما يراه النائم في حلمه.
[44] ولكنهم حين عجزوا عن تفسير رؤياه الغامضة. قالوا
بأنها أفكار مختلطة وليست رؤية للحقيقة (قَالُوا أَضْغَاثُ
أَحْلامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلامِ بِعَالِمِينَ)
الضغث: الحزمة من كل شيء، وقيل بأنه الخلط، وقالوا: و الحلم بكسر الحاء ضد الطيش
وهو الأناة، وكأن أصل حلم النوم عن هذا لأنه حال أناة وسكون.
ويبدو أن الحلم غير الرؤيا، فهو كل ما يراه النائم من آثار نفسه
وتخرصاتها.
مفاتيح الرؤيا
[45] وكان في حاشية الملك صاحب يوسف في السجن الذي
تذكر الآن رؤياه في السجن، وتعبير يوسف الصادق له (وَقَالَ
الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) أي تذكر بعد
مرور وقت طويل، قالوا: إنها سبع سنين (أَنَا أُنَبِّئُكُمْ
بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ) أي ابعثوني إلى يوسف لآتيكم بتأويله.
[46] فبعثوه إلى يوسف في السجن، فطلب منه تفسير رؤيا
الملك بعد أن نقله له (يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ)
عَبَّرَ عنه بالصديق لما رأى منه من آيات الصلاح في السجن، ولما جربه شخصيا في
تعبير رؤياه ونجاته.