ولكن هذه الاعتداءات لا تقع على هؤلاء عن جدارة، بل عن تعصب قبلي، أو
خلافات داخلية باطلة، وذلك بدليل أنهم يهبّون لنجدة هؤلاء بالذات، لو تعرضوا
لعدوان خارجي. فلو كانوا مجرمين فعلا فلماذا يدافعون عنهم؟
إن القرآن يُدين الفكر العنصري الذي يقول: أنا وأخي ضد ابن عمي، وأنا
وأخي وابن عمي ضد عدوي الغريب. ويقول وَإِنْ يَأْتُوكُمْ
أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ
ثم يبيَّن أن هذا النوع من التفكير لا يعتمد على قيم، بل على أهواء
أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ،
ثم يحدثنا بالنتائج الطبيعية لهذا النوع من التفكير العنصري الانتقائي الذي يأخذ
من الدين ما يوافق الهوى فقط ويقول فَمَا جَزَاءُ مَنْ
يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ
الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا
تَعْمَلُونَ.
[86] أما عذاب الدنيا فيتمثل في ابتعادهم عن هدى الله،
وما يوفره هذا الهدى من التقدم والفلاح، حسب ما يذكره القرآن في الآيات التالية.
أما عذاب الآخرة فيذكره القرآن هنا لأنه الأشد والأبقى، ويبين لنا
قبلئذ أن سبب هذا التبعيض والانتقاء في اتخاذ أحكام الدين، إنما هو نتيجة استبدال
الآخرة بالدنيا ويقول أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا
الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ وَلا هُمْ
يُنصَرُونَ فلا يرحمهم من في السماء ولا ينفعهم أهل الأرض.