أما الظن الذي يقول عنه ربنا سبحانه وتعالى وَإِنْ
هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ فلعله درجة أعلى من الأماني. حيث إن
الفرد يحلم بشيء ويحلم، حتى يُخيَّل إليه صدق هذا الشيء بل يكاد يقنع نفسه به،
ويبدو أن نسبة الثقة بالفكرة ليست بذات أهمية، فقد تكون أكثر أو أقل من خمسين
بالمائة. إنما المهم جذر الفكرة وكيفية بروزها في النفس.
فإذا كان منشؤها المصلحة وحب الذات وهوى النفس الذي يتحول إلى أماني
ويفسر الكتاب عليها ثم يتحول إلى خيال وتصور وظن، فإن درجة الثقة بها حتى ولو بلغت
حد القطع فلا قيمة لها، لأنها ليست ناشئة من العلم، والمنهج الصائب للمعرفة، إنما
هي ناشئة من التمنيات والأحلام والتخيلات.
يبقى أن نتساءل عن العلاقة بين الظن والتقليد حيث جاء في حديث شريف
أن المراد من الظن هو التقليد [1].
والجواب: إن الحديث إنما هو عن الأميين الذين هم العوام الذين يقلدون
كبراءهم، ولعله لهذه المناسبة فسر الظن هنا بالتقليد، كما أن السياق القرآني
يحدثنا في آيات أخرى عن أولئك الذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هو من عند
الله.
وقد قوبل الظن بالعلم في القرآن قال سبحانه وتعالى
قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا
الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ [الأنعام:
148].
كما أكد القرآن: أن الظن لا يغني من الحق شيئا- فقال سبحانه وتعالى
وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنّاً إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنْ
الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ
[يونس: 36]- فإنه يمتدحه في سياق الحديث عن الآخرة؛ فيقول ربنا سبحانه وتعالى
الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ
رَاجِعُونَ [البقرة: 46].
[1] راجع تفسير نور الثقلين: ج 1 ص 92 حيث روي عن الامام العسكري
عليه السلام في تفسير قوله تعالى وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا
يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَ قوله:
[كالامي منسوب الى امه اي هو كما خرج من بطن امه لا يقرا ولا يكتب
لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ المنزل من السماء ولا المتكذب به
ولا يميزون بينمهما إِلَّا أَمَانِيَ اي الا ان
يقرا عليهم ويقال هذا كتاب الله وكلامه لا يعرفون إن قرئ من الكتاب خلاف ما فيه
وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ اي ما يقرأ عليهم رؤساؤهم من تكذيب
محمد صلى الله عليه واله وسلم في نبوته وامامة علي عليه السلام سيد عترته عليهم
السلام وهم يقلدونهم مع انه محرم عليهم تقليدهم].