إن القرآن يتحدث إلينا عن نموذج من الناس. لذلك يذكر كل صفاتهم ولا تنمو
صفة فيهم دون وجود أخرى.
إن هذه العلاقة نجدها في أواخر الآيات التي تنتهي في كثير من الأحيان
بذكر صفة أو صفتين لله سبحانه، ترتبط بنوع المضمون المذكور في الآية، فمثلا نجد في
هذه الآيات الكريمة مدى ارتباط آخر الآية بمضمونها (ارتباطًا واقعيًّا)، يقول الله
سبحانه وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا
وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ[1]
فالولي الذي يحب عباده ينزل عليهم الغيث، والحميد ينشر عليهم رحمته، فهناك علاقة
وثيقة بين الولاية ونزول الغيث والحمد ونشر الرحمة. وكانت العرب ترى وجود هذه
العلاقة وتستنبط منها أشياء وأشياء.
فمرة سمع أعرابي رجلا يتلو آية هكذا: [وَالسَّارِقُ
وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنْ
اللَّهِ (واللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فقال له: أخطأت!. قال: وكيف؟.
قال: إن المغفرة والرحمة لا تناسبان قطع يد السارق!. فتذكر الرجل الآية وقال
وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ[2]. فقال
الأعرابي: نعم، بعزته أخذها وبحكمته قطعها] [3].
إنه عرف كيف يجب أن تكون نهاية الآية متناسبة مع بدايتها، من ناحية
العلاقة الواقعية.
العلاقة التربوية
بما أن القرآن كتاب تربية، وبما أن صفات النفس ترتبط ببعضها فإن
القرآن المجيد يلاحق النفس البشرية بما يصلحها من التوجيهات إن طغت- إفراطا- صفة
عليها عالجها بحكمة، فإن طغت- تفريطا- عالجها بحكمة أخرى ولا يزال يُعَدَّلها حتى
تتحول إلى نفس سوية.
ونستفيد من دراسة علاقة الآيات التربوية ببعضها علما بخبيئة النفوس
ومعرفة بالقوانين التربوية التي تتحكم فيها، وكمثل لهذه العلاقة نذكر قوله سبحانه
وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ
وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ[4].