و قد ذهب جماعة[1]إلى عدم اعتبار القيام بالذات أصلا لا في صفاته و لا في غيرها مستدلّين بصدق الضارب و المؤلم مع قيام الضرب و الألم بالغير.
و لا يخفى أنّ هذا القول من المضحكات؛إذ لو لم يعتبر القيام فلم لم يصدق
ضارب و مؤلم على غيرهما؟بل الظاهر-كما ذكره في الكفاية-اعتبار التلبّس و إن
اختلفت أنحاؤه في كونه بنحو الصدور في«ضارب»و«مؤلم»و بنحو آخر في غيرهما.
بقي الكلام فيما ذكره صاحب الفصول من عدم القيام لاقتضائه حينئذ الاثنينيّة المنفيّة في حقّه تعالى و تقدّس.
و قد أجاب في الكفاية[2]بأنّ العينيّة نحو من أنحاء التلبّس المختلفة.
و الجواب الحقيقي أن يقال:إنّ المعاني الحرفيّة-كما قدّمنا ذلك في المعنى
الحرفي- تضييقات في المفاهيم فهي تضييقات في مقام المفاهيم الاسميّة،و
المشتقّ-كما ذكرنا- مركّب من مفهوم شيء مع نسبة المبدأ،فهيئة المشتقّ
تضييق مفهوم شيء بقوله:له العلم،فيكون مفهوم عالم:شيء له العلم،و لا ريب
في أنّه مفهوم يصحّ حمله على الذات،و كون مصداقه عين الذات لا يخلّ بمقام
المفهوم أصلا.
و بالجملة،النسبة التي تفيدها هيئة المشتقّ إنّما تتحقّق بين مفهوم شيء و
المبدأ، فهي لتضييق ذلك المفهوم،و لا يلزم أن تكون خارجيّة أصلا،بل قد
يستحيل تحقّق النسبة في الخارج كما في قولنا:اجتماع النقيضين محال و شريك
الباري ممتنع،و كون مصداقه حقيقة عين الذات لا ربط لها بالمفهوم.
و بالجملة،حمل عالم على اللّه لا يضرّ أصلا؛إذ هو حمل لمفهوم على مفهوم،و كون مصداق أحدهما عين مصداق الآخر لا يضرّ بمسألة المفهوم.
[1]منهم المعتزلة كما في شرح المختصر 1:60،و اختاره الكلباسي في الإشارات الورقة:32، و نسبه إلى معظم الأصحاب و الحكماء و غيرهم.