إنّ الاسرة فی نظر القرآن الکریم تعدّ اللبنة المهمة فی البناء
الاجتماعی، و علی مدی سلامتها و متانة العلاقات القائمة فی داخلها یتوقّف
سلامة البناء برمّته. و لقد أشارت الآیة المبارکة الی هذه الحقیقة یا
أَیُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّکُمُ الَّذِی خَلَقَکُمْ مِنْ نَفْسٍ
واحِدَةٍ وَ خَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَ بَثَّ مِنْهُما رِجالًا کَثِیراً وَ
نِساءً ... [1] کما أشار القرآن الی أمر له مدخلیة فی استقامة البناء
الاسری، قال تعالی: خَلَقَ لَکُمْ مِنْ أَنْفُسِکُمْ أَزْواجاً
لِتَسْکُنُوا إِلَیْها وَ جَعَلَ بَیْنَکُمْ مَوَدَّةً وَ رَحْمَةً ...
[2]. فالسکن هنا و المودّة و الرحمة عناصر أساسیة فی التماسک. ثمّ لفت
القرآن النظر الی أنّ الزواج- وفق قواعد الشرع- یتّسق و یتناغم مع سائر
الوجودات الاخری التی هی من بدائع صنع اللّه تعالی، فقال تعالی: سُبْحانَ
الَّذِی خَلَقَ الْأَزْواجَ کُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَ مِنْ
أَنْفُسِهِمْ وَ مِمَّا لا یَعْلَمُونَ [3]. إذ فیها تنبیه الی أنّ ظاهرة
الزوجیة تحکم الموجودات کلّها، و أن هذه الموجودات تجری علی نوامیس و
قوانین لا تحید عنها. قال تعالی: وَ خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَ
الْأَرْضَ بِالْحَقِّ [4]. و قال تعالی: وَ أَنْبَتْنا فِیها مِنْ کُلِّ
شَیْءٍ مَوْزُونٍ [5]. و قال تعالی: وَ الشَّمْسُ تَجْرِی
لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِکَ تَقْدِیرُ الْعَزِیزِ الْعَلِیمِ [6]. و فی کلّ
ذلک تنبیهات و إشارات واضحة الی تحکّم القوانین فی کلّ أنحاء الوجود و
أجزائه [7]. و بناء علی ذلک، فإنّ الاسرة یجب أن تتکون و تتشکّل وفق قانون،
و إنها یجب أن تنضبط فعالیّاتها وفق قانون، و أن تنشأ العلاقات و تتوزّع
الحقوق و الواجبات أیضا وفق قانون.