قد أسلفنا أنّ تشریعات القرآن جاءت متوافقة مع الفطرة السلیمة و متلائمة
مع العقل الرشید، لا تشوهها نزعات بشریة هابطة و لا تکدرها خسائس إنسانیة
مبتذلة. فَأَقِمْ وَجْهَکَ لِلدِّینِ حَنِیفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِی
فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْها لا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِکَ الدِّینُ
الْقَیِّمُ وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ [1]. و قد ثبت فی علم الکلام أنّ الأحکام الشرعیة ألطاف فی الأحکام العقلیة. و معنی ذلک أنّ ما حکم به الشرع فقد حکم به العقل، أی إنّما یحکم الشرع بما کان العقل حاکما بذاته لو خلّی و طبعه. قال الإمام أمیر المؤمنین علیه السّلام: إنّما جاءت الأنبیاء لیثیروا دفائن العقول. أی لیبدوا ما کان مختبئا فی زوایا العقول. قال
علیه السّلام: «فبعث فیهم رسله و واتر إلیهم أنبیاءه لیستأدوهم میثاق
فطرته و یذکّروهم منسیّ نعمته، و یحتجّوا علیهم بالتبلیغ. و یثیروا لهم
دفائن العقول» [2]. و هکذا ذکر الإمام الکاظم موسی بن جعفر علیه
السّلام: أنّ للّه حجّتین، حجّة ظاهرة و حجّة باطنة، فأمّا الظاهرة فالرسل و
الأنبیاء و الائمة علیهم السّلام، و أمّا الباطنة فالعقول [3].
(1) الروم:
30. (2) نهج البلاغة: الخطبة الاولی. (3) الکافی: ج 1 ص 16 ح 12 من کتاب العقل.