وَ
لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِینٍ. ثُمَّ جَعَلْناهُ
نُطْفَةً فِی قَرارٍ مَکِینٍ. ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً
فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً
فَکَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ
فَتَبارَکَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِینَ [1] فسیاق الآیة بهذا النظم
البدیع، و تسلسل الخلقة بهذا النمط الرتیب، لیقضی بختمها بهکذا تحمید و
تحسین عجیب. فقد روی أنّ بعض الصحابة- یقال: إنّه معاذ بن جبل- حین نزلت
الآیة، بادر إلی تحسینها و الإعجاب بها، فنطق بهذه الخاتمة قبل نزولها.
فضحک رسول اللّه (صلّی اللّه علیه و آله) و قال لمعاذ: بها ختمت [2].
2- التصدیر:
هو أن تکون الفاصلة مذکورة بمادّتها فی صدر الآیة، و یسمّی أیضا: ردّ
العجز علی الصدر. و هو من حسن البدیع، إذ یرتبط صدر الکلام مع ذیله بوشائج
من التلاحم و الوئام. قال ابن رشیق: و هذا یکسب الکلام ابّهة، و یکسوه
رونقا و دیباجة، و یزیده مائیّة و طلاوة [3]. من ذلک قوله تعالی: وَ
هَبْ لَنا مِنْ لَدُنْکَ رَحْمَةً إِنَّکَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [4] و قوله:
وَ لَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِکَ فَحاقَ بِالَّذِینَ سَخِرُوا
مِنْهُمْ ما کانُوا بِهِ یَسْتَهْزِؤُنَ [5]. لا تَفْتَرُوا عَلَی اللَّهِ
کَذِباً فَیُسْحِتَکُمْ بِعَذابٍ وَ قَدْ خابَ مَنِ افْتَری [6]. و قد
یکون التشاکل لفظیا بحتا، و هو من لطف البدیع، کقوله تعالی: قالَ إِنِّی
لِعَمَلِکُمْ مِنَ الْقالِینَ [7]، أی من الناقمین.
(1) المؤمنون: 12- 14. (2) معترک الاقران: ج 1 ص 40. (3) العمدة: ج 2 ص 3. (4) آل عمران: 8. (5) الأنعام: 10. (6) طه: 61. (7) الشعراء: 168.