و
المذهّبات، و الشعراء الفرسان، و الحکماء، و الوصّافون، و الهجّاءون، و من
شاکلهم ممّن کانت القبائل تهاب موقفهم و تخشی ألسنتهم الحداد، و کانوا علی
قدرة من تصریف الکلام. نعم کان للشعر و الشاعریة مکانة سامیة عند
العرب، کانوا یهتمّون بشعرائهم کما یهتمون بقادتهم و زعمائهم فی السلم و فی
میادین القتال. کان الشعراء قادة الفکر و قادة السیاسة و الحرب، کانوا
حماة أعراضهم و حفظة آثارهم و نقلة أخبارهم. و کان شاعر القبیلة لسانها
الناطق و کاتبها الرسمی (کالصحفی الیوم) فی کلّ ما یتعاطونه من تبادل
ثقافات و تعرّف حضارات و تدخّلات سیاسیة و غیرها من شئون الحیاة العامّة. و
الخلاصة: کان الشاعر یومذاک دعامة الحیاة العربیّة فی تلک الصحراء الجرداء
... هذا ... و قد نزل القرآن مجابها بهذا النمط من الأوساط الرفیعة
المقام، العالیة الشأن، أصحاب حول و قوّة و بیان، فعارضهم فلم یکن منهم سوی
استسلام و انقیاد أو انهزام و صغار! و إلیک من کبرائهم:
1- أعشی بنی قیس بن ثعلبة:
اسمه میمون بن قیس بن جندل بن بکر بن وائل من ربیعة. هو أحد الأعلام
من شعراء الجاهلیّة و فحولهم. و البعض یقدّمونه علی سائرهم إذا طرب کما
یتقدّم امرؤ القیس إذا غضب، و النابغة إذا رهب، و زهیر إذا رغب [1]. و
یحتجّ المقدّمون له بکثرة طواله الجیاد و تصرّفه فی المدیح و الهجاء و سائر
فنون الشعر و الکلام ممّا لیس لسواه. و لم یکن یمدح قوما إلّا رفعهم، و لم
یهج قوما إلّا وضعهم، لأنّه من أسیر الناس شعرا و أعظمهم فیه حظّا [2]. و هو صاحب معلّقة مطلعها:
(1) الأغانی: ج 8 ص 77. (2) العمدة لابن رشیق: ج 2 ص 146.