وَ
نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَ أَبْصارَهُمْ کَما لَمْ یُؤْمِنُوا بِهِ
أَوَّلَ مَرَّةٍ [1] تطابقا مع آیة الانفال تماما! قال تعالی: وَ لا
تَکُونُوا کَالَّذِینَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ [2] فإنّ
نسیان النفس کنایة عن الابتعاد عن شرف الانسانیة، هبوطا إلی مهاوی
البهیمیّة و الابتذال. وَ لَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَ لکِنَّهُ
أَخْلَدَ إِلَی الْأَرْضِ وَ اتَّبَعَ هَواهُ [3]. و الذی أرشدنا إلی
هذا الاختیار هی دلائل و قرائن من نفس الآیة:- أولا: التعبیر بالحیاة عن
الدعوة، فیقابلها الموت فی رفضها. و ما هو إلّا موت القلب بسلب إدراکاته
الانسانیة العلیا التی فیها الحیاة الحقیقیة الکریمة. قال تعالی: إِنَّکَ
لا تُسْمِعُ الْمَوْتی وَ لا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا
مُدْبِرِینَ [4]. فَإِنَّکَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتی وَ لا تُسْمِعُ
الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِینَ [5]. إِنَّما یَسْتَجِیبُ
الَّذِینَ یَسْمَعُونَ، وَ الْمَوْتی یَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَیْهِ
یُرْجَعُونَ [6]. هذه الأخیرة تتفق فی نظمها مع آیة الانفال شیئا ما. ثانیا:
القلب عضو شریف فی الهیکل الانسانی البدیع. و من ثمّ یعبر به عن واقع
الانسان الکریم تارة، و عن حیویته النابضة بالفعالیة و الوجود اخری. و عن
منشأ إدراکاته النبیلة الشاعرة بالمسئولیة ثالثة، و هکذا. و من ثمّ فان
المخالف لفطرته قد جعل من قلبه فی غشاء أو فی غلاف. أو مریضا و منحرفا عن
وضعه الاصیل أو مختوما بطابع یحجز دون بلوغ الهدی إلی مساربه، و هکذا یجعل
القرآن القلب هو المرکز الأول لقبول الهدایة و التکلیف، و یجعل من رفضها
کأنّه لا قلب له، قال تعالی: إِنَّ فِی ذلِکَ لَذِکْری لِمَنْ کانَ لَهُ
قَلْبٌ أَوْ أَلْقَی السَّمْعَ وَ هُوَ شَهِیدٌ [7]. أَ فَلا
یَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلی قُلُوبٍ أَقْفالُها [8]. وَ لکِنْ
یُؤاخِذُکُمْ بِما کَسَبَتْ قُلُوبُکُمْ [9]. (1) الانعام: 110. (2) الحشر: 19. (3) الاعراف: 176. (4) النمل: 80. (5) الروم: 52. (6) الانعام: 36. (7) ق: 37. (8) محمد: 24. (9) البقرة: 225.