و بعد فلنتعرض الآن لآیات ربما وقعت موضع تشبث أهل الجبر فی الهدایة و
الضلال، و الاجابة علیها وفق ما أسلفنا من البیان:- 1- قوله تعالی:
اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِیمَ [1]. قالت الأشاعرة: لو کان المراد
بالهدایة الدلالة لکانت حاصلة لهم، فلم یکن لطلبها معنی، فوجب أن یکون
المراد: نفس الایمان أو القدرة علیه. و الجواب: أنّ للهدایة مراتب
متلاحقة لا یقف المؤمن منها عند حدّ، فعلی أیة درجة کان فانّه یطلب المزید و
البلوغ لدرجة أعلی. و لا نهایة لرحمته تعالی مع الأبدیة، وَ الَّذِینَ
اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدیً [2]. وَ یَزِیدُ اللَّهُ الَّذِینَ اهْتَدَوْا
هُدیً وَ الْباقِیاتُ الصَّالِحاتُ خَیْرٌ عِنْدَ رَبِّکَ ثَواباً وَ
خَیْرٌ مَرَدًّا [3]. و أیضا فانّا قد بیّنا فی التفسیر: أنّ العبد یطلب
من اللّه الاستقامة فی جمیع شئون حیاته المادیة و المعنویة، الأمر الذی لا
یستغنی عن هدایته تعالی بالتوفیق و التسدید إلی الصواب مع اللیالی و
الأیام. 2- هُدیً لِلْمُتَّقِینَ [4]. قالوا: ما وجه اختصاص الهدایة بالمتقین، لو کانت هی الدلالة و الارشاد؟ و الجواب: وجه الاختصاص أنّهم هم الذین استعدوا بأنفسهم للاهتداء