قد استوی بشر علی العراق من غیر سیف و دم مهراق [1] و جاء بمعنی استقامة الأمر أیضا، کما قال الطرماح بن حکیم: طال علی رسم مهدد أبده و عفا و استوی به بلده [2] و هکذا جاء بمعنی عمد و قصد، کقوله تعالی: ثُمَّ اسْتَوی إِلَی السَّماءِ [3]. و
کلما جاء ذکر «الاستواء علی العرش» فی القرآن، انما یعنی الاستیلاء التامّ
بتدبیر شئون العالم، بعد أن کان «العرش» کنایة عن مجموع الخلق، کما جاء فی
تعبیر الصدوق (علیه الرحمة) [4].
الفوقیة:
و أمّا الآیات التی جاء فیها ذکر العلوّ و الفوقیة له تعالی [5]. أو
أنّه فی السماء [6] أو أنّه یدبّر الأمر من السماء [7]. أو تعرج إلیه الروح
[8]. أو تنزل الملائکة من عنده [9] و أمثال ذلک، فهذه الفوقیة و العلو لا
تعنی الجهة التی هی احدی الجهات الست التی تحدد بها الأجسام، من فوق و تحت و
یمین و یسار و خلف و أمام. إذ بعد ما انتفت الجسمیة عن ذاته المقدسة، لم
یبق مجال لتصویر الجهة له تعالی اطلاقا. و أمّا هذه التعابیر الواردة فی
الآیات، فإنّ لها تأویلات حکمیّة دقیقة، أوضحها علماء الکلام، و جاء بعض
تفاصیلها فی رسالة کتبها أبو العباس أحمد بن إبراهیم الواسطی، المعروف بابن
شیخ الحزامیین (657- 711 ه) [10]. و نحن نذکر منها ما یجیب علی غالبیة
الأسئلة الموجهة بهذا الصدد:
(1) البدایة و النهایة لابن کثیر: ج 9 ص 7. (2) جامع البیان للطبری: ج 1 ص 150. (3) البقرة: 29. (4) راجع: بحار الأنوار: ج 58 ص 7. (5) تقدمت فی کلام الأشعری برقم: 2 و 3 و 5 و 7. (6) تقدم برقم: 6 أَ أَمِنْتُمْ مَنْ فِی السَّماءِ. (7) تقدم برقم: 4 یُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ. (8) تقدم برقم: 8 تَعْرُجُ الْمَلائِکَةُ وَ الرُّوحُ إِلَیْهِ. (9) تقدم فی کلام الدارمی برقم: 31- 40. (10) نشرت ضمن مجموعة «اربح البضاعة» بمکة المکرمة: 1393 ه ص 39- 55.