العام 324. [1] و
اذا کنا نراجع تراجم اکثریة القارئین بالشذوذ، نجدهم أناسا فضلاء علماء،
أساءت الظروف بمنزلتهم العلمیة، فنبذتهم وراء الظهور، و قدمت غیر الاکفاء، و
من ثم کانت عقد نفسیة و شذوذ و انحرافات عن المسیر العام. و ایضا- فان
اکثریة القراءات المرمیة بالشذوذ، لم تکن شاذة بمعناها الحقیقی و انما رمیت
بالشذوذ لانها خلاف معهود العامة، و خلاف ما یعرفه شیوخ الاقراء، فی
الامصار، ممن حازوا مناصب رسمیة، و غالبیتهم قلیلو الرحلة، قصیروا الباع،
فی العلم وسعة الاطلاع. انظر الی ما یتأسفه الامام بدر الدین- نقلا عن
اثیر الدین ابی حیان- من قصر الهمم فی طلب العلم، و الرحلة فی الاخذ و تلقی
القراءة من الشیوخ، و من ثم اقتصارهم علی ما فی التیسیر و الشاطبیة و
التبصرة و الکافی و نحوها، فی حین ان هذه الکتب لم تحو حتی جمیع القراءات
المأثورة عن السبعة، فکیف بغیرها. و انما هی قل من کثر و نزر من بحر [2]. و من ثم کان بعض مشایخ الاقراء- بین آونة و اخری- یجیزون القراءة المرمیة بالشذوذ، اذا کانت علیها مسحة من الصحة المعتبرة. من
ذلک ما وقع اخیرا (عام 1377 ه) فی مصر. فقد اجاز شیخان من مشایخ الاقراء-
لحسن نیتهما- القراءة بالشواذ من ذوات الأصالة السلفیة. غیر ان الرأی العام
و فی مقدمتهم مشیخة الازهر، قام فی وجههما، فاضطرا الی التوبة. و حکم
علیهما بنفی البلد لمدة عام، و لم تنفع بشأنهما شفاعة الشافعین [3]. هذا،
و لنا فی جواز القراءة بالشاذ مذهب آخر: لا نجیز فی القرآن غیر قراءة
واحدة- لا السبعة و لا العشرة و لا غیرها- و سنتکلم عنها فی (1) معرفة
القراء الکبار، الذهبی، ج 1 ص 221- 225. (2) راجع البرهان ج 1 ص 323- 325. (3) المصحف المرتل ص 301.