الحاضرة، آلات البدن ما دام قید هذا الجسد، فکلّما کان البدن أکمل و أنشط کان العمل به ایسر و أتمّ.
3- الإنسان و ظاهرة الإدراک:
الإنسان فی داخل وجوده ذو طاقة جبّارة، تختلف تماما عن قواه الجسدیّة
المحدودة. إنّه فی جانب عقلیّته یذهب الی أبعاد شاسعة لا نهایة لها، و
یتحلّق فی أجواء لا أمد لها، کما و ینطلق الی ما وراء المادّة و الی آفاق
واسعة، انطلاقة لا وقفة لها عند حدّ. إنّه یدرک، و ظاهرة الإدراک ذاته
ظاهرة غیر مادیّة، إذ لا یوجد فیها أیّ خاصیّة من خواصّ المادّة إطلاقا،
إنّها لا تقبل انقساما الی أبعاد ثلاثة. و لا تحمل ثقلا و لا هی محدودة
بالجهات. إنّه یدرک، و قسم من مدرکاته تفوق حدود المادّة فی جمیع
أبعادها و ممیّزاتها بصورة مطلقة: إنّه یدرک معانی کلیّة لیست تتحقّق
خارجیا البتة. إنّه یفهم ملازمات عقلیّة، و الملازمة ذاتها لا وجود لها سوی
طرفیها اللازم و الملزوم. إنّه یعلم بأمور غائبة عن الحسّ. و یفکّر فی
شئون ما وراء الإحساس. و بکلمة جامعة: الإنسان یعرف، و المعرفة فی کیان
الإنسان ظاهرة غیر مادیّة، فی حین أنّ اللامادیّ لا یقوم بمادیّ، فأین
محلّها من وجود الإنسان؟ و نتیجة علی ذلک نعترف- بالضرورة من بدیهة
العقل- أنّ وراء وجود هذا الإنسان الجسدی الظاهر، وجودا آخر لا مادّی، هو
«النفس» الذی تقوم به ظاهرة الإدراک، و مجال النفس أوسع من المادّة بنسبة
فائقة. و توضیحا لهذا الجانب النفسی من ظاهرة الإدراک نقول: قد تنعکس
فی ذهنیة الإنسان- عند ما یواجه منظرا طبیعیا- صورة منطبقة مع الواقع تمام
الانطباق فی جمیع أبعادها و سماتها، من حرکة و لون و زهور و أشجار، و جبال
و أنهار، و أبعاد و أغوار. و تتجلّی هذه الصورة بنفس الأبعاد و السمات