کانت الغایة من إرسال المصاحف الی الآفاق، هی رعایة جانب وحدة الکلمة
لئلا تختلف، و لیجتمع المسلمون علی قراءة واحدة و نبذ ما سواها. فکان یجب
أن تکون هذه المصاحف مستنسخة علی نمط واحد، و أن تکون موحدة من جمیع
الوجوه. و من ثم کان یجب علی أعضاء المشروع أن یتحقّقوا من وحدتها و
یقابلوا النسخ مع بعضها فی دقّة کاملة. غیر أنّ الواقعیّة بدت بوجه آخر،
و جاءت المصاحف یختلف مع بعضها البعض. کان المصحف المدنیّ یختلف عن المصحف
المکیّ، و المصحف المکیّ یختلف عن الشامیّ، و هذا عن البصریّ، و الکوفیّ و
هکذا. الأمر الذی یدلّ بوضوح أنّ اللجنة تساهلت فی أمر المقابلة- أیضا-
فلم یأخذوا بالدقّة الکاملة فی جانب توحید المصاحف المرسلة الی الآفاق. و صار هذا الاختلاف فی المصاحف، من أهم أسباب نشوء الاختلاف القرائی فیما بعد، و فتح باب جدید لاختلاف القراءات فی حیاة المسلمین. کان
قاری کلّ مصر و مقرئها یلتزم- طبعا- بقراءة ما فی مصحفهم من نصّ. و کان
علیه أیضا أن یختار نوع الحرف و الشکل حسب ما یبدو له من ظاهر الکلمة
المثبتة فی المصحف بلا نقط و لا تشکیل. و من ثم کانت السلائق و المذاویق، و
کذلک الأنظار و الأفهام تختلف فی هذا الاختیار. أمّا الروایة و السماع
عن الشیخ، فهی لا تنضبط تماما و فی جمیع الوجوه إذا لم تکن مثبتة فی سجلّ
أو فی نصّ المصحف ذاته. فلا بدّ أن یقع فیها خلط أو اشتباه من جانب النقل
أو السماع، و لا سیّما إذا طالت الفترة بین الشیخ الأوّل و القارئ الأخیر. و
من ثم ظهرت قراءة مکة. و قراءة المدینة. و قراءة البصرة. و قراءة الکوفة و
قراءة الشام. و هکذا ... الأمر الذی کان کرا علی ما فروا منه!