و
الهمم الطاریة علی القلب و القصور عن معرفة کنه جلال اللّه و عظمته و
أمثال ذلک، فلیس واجبا بهذا المعنی، لمنافاته انتظام العالم. إذ لو کلف
الخلق کلهم أن یتقوا اللّه حق تقاته، لترکوا المعائش و رفضوا الدنیا
بالکلیة، و ذلک یؤدی إلی بطلان التقوی رأسا، لأنه إن فسدت المعایش لم یتفرغ
أحد للتقوی. فالتوبة عن کل ما هو المرجوح لیست واجبة بهذا الاعتبار، بل هی
واجبة بمعنی آخر، و هو ما لا بد منه للوصول به إلی غایة القرب إلی اللّه، و
إلی المقام المحمود و الدرجات العالیة، فمن رضی باصل النجاة و قنع به لم
تکن هذه التوبة واجبة علیه، و من طلب الوصول إلی ما ذکر وجبت علیه هذه
التوبة وجوبا شرطیا، بمعنی توقف مطلوبه علیه، کما جرت علیه طوائف الأنبیاء و
الأولیاء و أکابر العرفاء و العلماء، و لأجله رفضوا لذات الدنیا بالکلیة. و
علی هذا فما ورد من استغفار الأنبیاء و الأوصیاء و توبتهم إنما هو من ترک
دوام الذکر و غفلتهم عن مقام الشهود و الاستغراق لأجل اشتغالهم بالمباحات،
لا عن ذنوب کذنوبنا، لتعالیهم و تقدسهم عن ذلک. قال الصادق- علیه السّلام-:
«إن رسول اللّه- صلّی اللّه علیه و آله- کان یتوب إلی اللّه و یستغفره فی
کل یوم و لیلة مائة مرة من غیر ذنب، ان اللّه- تعالی- یخص أولیاءه
بالمصائب، و لیأجرهم علیها من غیر ذنب کذنوبنا، فان ذنب کل أحد إنما هو
بحسب قدره و منزلته عند اللّه». و بمضمونه أخبار أخر.
فصل (لا بد من العمل بعد التوبة)
لا یکفی فی تدارک الشهوات و التوبة عن الذنوب مجرد ترکها فی المستقبل،
بل لا بد من محو آثارها التی انطبعت فی جوهر النفس بنور الطاعات، إذ کل
شهوة و معصیة صدرت من الإنسان ارتفعت منها ظلمة إلی قلبه، کما ترتفع من