قال
بعض العارفین: «أهل الصبر علی ثلاث مقامات: الأول: ترک الشکوی، و هذه درجة
التائبین. الثانی: الرضا بالمقدر، و هذه درجة الزاهدین. الثالث: المحبة
لما یصنع به مولاه، و هذه درجة الصدیقین». و کأن هذا الانقسام مخصوص
بالصبر علی المکروه من المصائب و المحن. ثم باعث الصبر إما إظهار الثبات و
طمأنینة القلب عند الناس، لیکون عندهم مرضیا، کما نقل عن معاویة: أنه أظهر
البشاشة، و ترک الشکوی فی مرض موته، و قال: و تجلدی للشامتین أریهمانی
لریب الدهر لا أ تزعزع و هذا صبر العوام، و هم الذین یعملون ظاهرا من
الحیاة الدنیا و هم عن الآخرة هم غافلون. أو توقع الثواب و نیل الدرجات
الرفیعة فی دار الآخرة، و هذا صبر الزهاد و المتقین، و إلیه الإشارة بقوله-
تعالی-: إنَّما یُوَفَّی الصّابِرونَ أجرَهُمْ بِغَیرِ حِسابِ [1]. أو
الالتذاذ و الابتهاج بورود المکروه من اللّه- سبحانه-. اذ کل ما یرد من
المحبوب محبوب، و المحب یشتاق إلی التفات محبوبه و یرتاح به، و ان کان ما
یؤذیه ابتلاء و امتحانا له، و هذا صبر العارفین، و إلیه الإشارة بقوله-
تعالی-: وَ بَشِّر الصابِرینَ، الَّذینَ إذا أصابَتْهُمْ مُصیبَةٌ
قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إلَیهِ رَاجِعُونَ، أُولئِک عَلَیْهِمْ
صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهم وَ رَحْمَةٌ [2].(1) الزمر، الآیة: 10. (2) البقرة، الآیة: 155- 157.