فرب شخصین تتأکد المحبة بینهما عن غیر
ملاحظة جمال، و لا طمع فی جاه و مال، بل بمجرد تناسب الأرواح، کما قال
النبی (ص): «الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، و ما تناکر منها
اختلف».
السادس- محبته لمن حصل بینه و بینه الألف و الاجتماع فی بعض المواضع،
لا سیما إذا کان من المواضع الغریبة، کالسفن و الاسفار البعیدة. و
السبب فیه: کون افراد الإنسان مجبولة علی المؤانسة مع التلاقی و الاجتماع، و
لکون المؤانسة مرکوزة فی طبیعة الإنسان سمی إنسانا، فهو مشتق من الانس دون
النسیان- کما ظن-، و المؤانسة لا تنفک عن المحبة، و ربما کان حصول
المؤانسة و الحب بین أهل البلد، أو بینهم و بین أهل القری، أو بین أهل
البلاد المتباعدة و المواضع المختلفة، من جملة أسرار الأمر بالجمعة و
الجماعة و صلاة العیدین، و الحج الباعث لاجتماع عموم الخلائق فی موقف واحد.
السابع- محبته لمن یشارکه فی وصف ظاهر،
کمیل الصبی إلی الصبی لصباه، و الشیخ إلی الشیخ لشیخوخته، و التاجر إلی
التاجر لتجارته، و هکذا ... فان کل شخص مائل إلی من یشارکه فی وصفه و صنعته
و شغله و حرفته، و السبب الجامع فیه هو الاشتراک فی الوصف و الصنعة.
الثامن- حب کل سبب و علة لمسببه و معلوله و بالعکس،
فان المعلول لما کان مثالا من العلة، و مترشحا عنها و منبجسا منها، و
مناسبا لها لکونه من سنخها، فالعلة تحبه لأنه فرعها و بمنزلة بعض اجزائها
التی کانت منطویة فیها، و المعلول یحبها لأنها أصله و بمنزلة کله الذی کان
محتویا علیه، فکان کلا منهما فی حبه للآخر یحب نفسه. ثم السبب ان کان
علة حقیقیة موجدة، تکون سببیة أقوی فی حصول المحبة و الاتحاد مما إذا کان
علة معدة. فأقوی اقسام المحبة ما یکون للواجب