و بما ذکر یظهر: أن
الزهد إنما یتحقق إذا تمکن من نیل الدنیا و ترکها، و کان باعث الترک هو
حقارة المرغوب عنه و خساسته، أعنی الدنیا بالإضافة إلی المرغوب إلیه و هو
اللّه و الدار الآخرة. فلو کان الترک لعدم قدرته علیها، أو لغرض غیر اللّه
تعالی غیر الدار الآخرة، من حسن الذکر، و استمالة القلوب، أو الاشتهار
بالفتوة و السخاء، أو الاستثقال لما فی حفظ الأموال من المشقة و العناء، أو
أمثال ذلک، لم یکن من الزهد أصلا.
فصل (مدح الزهد)
الزهد أحد منازل الدین و أعلی مقامات السالکین. قال اللّه سبحانه: فَخَرَجَ عَلی قَوْمِهِ فِی زِیْنَتِهِ ... وَ قَالَ الَّذِیْنَ أُوتُوا العِلْمَ وَیْلَکُمْ ثَوَابُ اللّهِ خَیْرٌ [1]. فنسب الزهد إلی العلماء، و وصف أهله بالعلم، و هو غایة المدح. و قال: وَ
لا تَمُدَّنَّ عَیْنَیْکَ إِلی مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجَاً مِنْهُمْ
زَهْرَةَ الْحَیَاةِ الدُّنْیَا لِنَفْتِنَهُمْ فِیْهِ وَ رِزْقُ رَبِّکَ
خَیْرٌ وَ أَبْقَی [2].