ذکرنا کمثل النازع لروحه، إن لم ینزع فما ذا یصنع» [1].
تنبیه اللسان أضر الجوارح
اعلم أن أکثر ما تقدم من الرذائل المذکورة فی هذا المقام: من الکذب و
الغیبة، و البهتان، و الشماتة، و السخریة، و المزاح و غیرها، و فی المقام
الثالث- اعنی التکلم بما لا یعنی و الفضول و الخوض فی الباطل- من آفات
اللسان و هو اضر الجوارح بالإنسان، و أعظمها إهلاکا له، و آفاته أکثر من
آفات سائر الأعضاء، و هی و ان کانت من المعاصی الظاهرة، إلا أنها تؤدی إلی
مساوئ الأخلاق و الملکات. إذ الأخلاق انما ترسخ فی النفس بتکریر الأعمال، و
الاعمال انما تصدر من القلب بتوسط الجوارح، و کل جارحة تصلح لأن تصدر منها
الأعمال الحسنة الجالبة للأخلاق الجمیلة، و أن تصدر منها الاعمال القبیحة
المورثة للأخلاق السیئة، فلا بد من مراعاة القلب و الجوارح معا بصرفهما إلی
الخیرات و منعهما من الشرور. و عمدة ما تصدر منه الذمائم الظاهرة المؤدیة
إلی الرذائل الباطنیة هو اللسان، و هو أعظم آفة للشیطان فی استغواء نوع
الإنسان، فمراقبته أهم، و محافظته أوجب و ألزم. و السر فیه- کما قیل-: أنه
من نعم اللّه العظیمة، و لطائف صنعه الغریبة، فانه و إن کان صغیرا جرمه،
عظیم طاعته و جرمه، إذ لا یتبین الایمان و الکفر إلا بشهادته، و لا یهتدی
إلی شیء من أمور النشأتین إلا بدلالته، و ما من موجود او معدوم إلا و هو
یتناوله و یتعرض له باثبات
(1) هذا الحدیث فی (مصباح الشریعة): الباب 75 فصححناه علیه.