اعلم ان المراء طعن فی کلام الغیر لإظهار خلل فیه، من غیر غرض سوی
تحقیره و اهانته، و إظهار تفوقه و کیاسته. و الجدال: مراء یتعلق بإظهار
المسائل الاعتقادیة و تقریرها. و الخصومة: لجاج فی الکلام لاستیفاء مال أو
حق و مقصود، و هذه تکون تارة ابتداء و تارة اعتراضا، و المراء لا یکون إلا
اعتراضا علی کلام سبق، فالمراء داخل تحت الإیذاء، و یکون ناشئا من العداوة
أو الحسد. و أما الجدال و الخصومة، فربما صدرا من من أحدهما أیضا، و ربما
لم یصدرا منه. و حینئذ، فالجدال إن کان بالحق- أی تعلق باثبات إحدی
العقائد الحقة- و کان الغرض منه الإرشاد و الهدایة، و لم یکن الخصم لدودا
عنودا فهو الجدال بالأحسن، و لیس مذموما، بل ممدوح معدود من الثبات فی
الایمان الذی هو من نتائج قوة المعرفة و کبر النفس، قال اللّه سبحانه: وَ لا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْکِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ [1]. و
إن لم یکن بالحق، فهو مذموم اقتضته العصبیة أو حب الغلبة أو الطمع، فیکون
من رذائل القوة الغضبیة أو الشهویة، و ربما أورث شکوکا و شبهات تضعف
العقیدة الحقة، و لذا نهی اللّه سبحانه عنه و ذم علیه، فقال: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ یُجَادِلُ فِی اللّهِ بِغَیْرِ عِلْمٍ وَ لا هُدَیً وَ لا