بلا شغل و اکتساب،
فاضطروا إلی الأخذ مما یسعی فیه غیرهم، و لذلک حدثت حرفتان خبیثتان هی
(اللصوصیة) و (الکدیة) [1] و لکل واحد منهما أنواع غیر محصورة لا تخفی علی
المتأمل.
فصل (ذم الدنیا و أنها عدوة اللّه و الإنسان)
اعلم أن الدنیا عدوة للّه و لأولیائه و لأعدائه: أما عداوتها للّه،
فإنها قطعت الطریق علی العبادة، و لذلک لم ینظر إلیها مذ خلقها، کما ورد فی
الأخبار [2] و أما عداوتها لأولیائه و أحبائه، فإنها تزینت لهم بزینتها و
عمتهم بزهرتها و نضارتها، حتی تجرعوا مرارة الصبر فی مقاطعتها. و أما
عداوتها لأعدائه، فإنها استدرجتهم بمکرها و مکیدتها و اقتنصتهم بشباکها و
حبائلها حتی وثقوا بها و عولوا علیها، فاجتبوا منها حیرة و ندامة تنقطع
دونها الأکباد، ثم حرمتهم عن السعادة أبد الآباد، فهم علی فراقها یتحسرون و
من مکائدها یستغیثون و لا یغاثون، بل یقال لهم: اخْسؤُا فِیْهَا وَ لا
تُکَلِّمُوْنِ [3]. أُولئِکَ الَّذِیْنَ اشْتَرَوْا الْحَیَاةَ الدُّنْیَا
بِالآخِرَةِ فَلا یُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَ لا هُمْ یُنْصَرُوْنَ
[4].
(1) قال فی المنجد: الکدیة: الاستعطاء و حرفة السائل الملح. (2) سیأتی الخبر بهذا المعنی- ص 26- و هو عامی. (3) المؤمنون، الآیة: 109. (4) البقرة، الآیة: 86.