لا یتفاوت بالنظر إلی الطریقین. و
أما «العدالة» فتفسیرها علی الطریق الأول هو انقیاد العقل العملی للقوة
العاقلة و تبعیته لها فی جمیع تصرفاته، أو ضبطه الغضب و الشهوة تحت إشارة
العقل و الشرع الذی یحکم العقل أیضا بوجوب اطاعته، أو سیاسة قوتی الغضب و
الشهوة، و حملها علی مقتضی الحکمة، و ضبطهما فی الاسترسال و الانقباض علی
حسب مقتضاه. و إلی هذا یرجع تعریف الغزالی «إنها حالة للنفس و قوة بها یسوس
الغضب و الشهوة، و یحملهما علی مقتضی الحکمة، و یضبطهما فی الاسترسال و
الانقباض علی حسب مقتضاها» إذ المراد من الحالة و القوة هنا قوة الاستعلاء
التی للعقل العملی لا نفس القوة العملیة. و تفسیرها علی الطریق الثانی
هو ائتلاف جمیع القوی، و اتفاقها علی امتثالها للعاقلة، بحیث یرتفع التخالف
و التجاذب، و تحصل لکل منها فضیلته المختصة به. و لا ریب فی أن اتفاق جمیع
القوی و ائتلافها هو کمال لجمیعها لا للقوة العملیة فقط. اللهم إلا أن
یقال إن الائتلاف إنما یتحقق باستعمال کل من القوی علی الوجه اللائق، و
استعمال کل قوة و لو کانت قوة نظریة إنما یکون من القوة العملیة، لأن شأنها
تصریف القوی فی المحال اللائقة علی وجه الاعتدال، و بدونها لا یتحقق صدور
فعل عن قوة. ثم العدالة علی الطریق الأول تکون أمرا بسیطا مستلزمة
للملکات الثلاث أعنی الحکمة و العفة و الشجاعة، و علی الثانی تحتمل البساطة
و الترکیب علی الظاهر، و إن کانت البساطة أقرب نظرا إلی أن الاعتدال
الخلقی بمنزلة الاعتدال المزاجی الحاصل من ازدواج العناصر المتخالفة، و قد
برهن فی