فی الواقع فضیلة، و ما هو رذیلة فی نفس الأمر رذیلة، فیضطرهم إلی إکرام أهل التنزه عن الشهوات، و الاستهانة بالمکبین علیها. و
مما یدل علی قبح اللذات الحیوانیة أن أهلها یکتمونها و یخفون ارتکابها و
یستحیون عن إظهارها، و إذا وصفوا بذلک تتغیر وجوههم، کما هو ظاهر من وصف
الرجل بکثرة الأکل و الجماع، مع أن الجمیل علی الإطلاق یحسن إذاعته، و
صاحبه یجب أن یظهره و یوصف به، هذا مع أن البدیهة حاکمة بأن هذه اللذات
لیست لذات حقیقیة، بل هی دفع آلام حادثة للبدن [1] فإن ما یتخیل لذة عند
الأکل و الجماع إنما هو راحة من ألم الجوع و لذع المنی و لذا لا یلتذ
الشبعان من الأکل، و معلوم أن الراحة من الألم لیس کمالا و خیرا، إذ الکمال
الحقیقی و الخیر المطلق ما یکون کمالا و خیرا أبدا.
إیقاظ (فیه موعظة و نصیحة)
لمّا عرفت أن الإنسان فی اللذة العقلیة یشارک الملائکة، و فی غیرها من
الحسیة المتعلقة بالقوی الثلاث، أعنی السبعیة و البهیمیة و الشیطانیة،
یشارک السباع و البهائم و الشیاطین- فاعلم أن من غلبت علیه إحدی اللذات
(1)
الحق أن کل لذة بدنیة و نفسیة إنما هی إشباع شهوة أو غریزة تتطلب الإشباع،
حتی طلب المعارف و العلم إنما هو لإشباع غریزة حب الاستطلاع، إلا أن طلب
العلم لا یصل إلی حد الإشباع أبدا، و لذا قال صلی اللّه علیه و آله و سلم: «منهومان
لا یشبعان طالب علم، و طالب مال» و لیست کذلک الغریزة الجنسیة و غریزة حب
الأکل و أمثالهما فإنها تصل إلی حد الإشباع فتکتفی.