إلی
دار الطبیعة و الغرور یبعده عن عالم البهجة و السرور، و بالعکس، فأسوأ
الناس حالا من لم یعرف حقیقة الدنیا و الآخرة و تضادهما و لم یخف سوء
العاقبة و أفنی عمره فی طلب الدنیا و إصلاح أمر المعاش و قصر سعیه علی جر
المنفعة لبدنه من نیل شهوة أو بلوغ لذة أو اکتساب ترفع، و رئاسة أو جمع
المال من غیر تصور لما یصل إلیه من فائدته، کما هو عادة أکثر أبناء الدنیا،
و لم یعرف غیر هذه الأمور من المعارف الحقیقیة و الفضائل الخلقیة و
الأعمال الصالحة المقربة إلی عالم البقاء فکأنه یعلم خلوده فی الدنیا، و لا
یرجو بعد الموت ثواب عمل، و لا جزاء فعل، و لا یعتقد بما یرجوه المؤمنون و
یؤمله المتقون من الخیر الدائم، و اللذات المخالفة لهذه اللذات الفانیة
التی یشارک فیها السباع و البهائم، فإذا أدرکه الموت مات علی حسرة و ندامة
آیسا من رحمة اللّه قائلا: یَا حَسرَتی عَلی مَا فَرَّطتُ فِی جَنبِ اللَّهِ [1]. أعاذنا اللّه تعالی من سوء الخاتمة و وقفنا لتحصیل السعادة الدائمة
فصل (تأثیر المزاج علی الأخلاق)
للمزاج مدخلیة تامة فی الصفات: فبعض الأمزجة فی أصل الخلقة مستعد لبعض
الأخلاق، و بعضها مقتض لخلافه، فإنا نقطع بأن بعض الأشخاص بحسب جبلته، و لو
خلی عن الأسباب الخارجیة، بحیث یغضب و یخاف و یحزن بأدنی سبب، و یضحک
بأدنی تعجب، و بعضهم بخلاف ذلک.