أو
أحدهما متوسطا بین السرعة و البطء. و ما کان من ذلک بإشارة العقل فهو
ممدوح معدود من أوصاف الشجاعة، و غیر مذموم محسوب من آثار الغضب أو الجبن.
فصل (الغضب)
(الغضب) من المهلکات العظیمة، و ربما أدی إلی الشقاوة الأبدیة، من القتل و القطع، و لذا قیل: (إنه جنون دفعی). قال أمیر المؤمنین (ع): «الحدة ضرب من الجنون، لأن صاحبها یندم، فإن لم یندم فجنونه مستحکم» و ربما أدی إلی اختناق الحرارة، و یورث الموت فجأة. و قال بعض الحکماء: «السفینة
التی وقعت فی اللجج الغامرة، و اضطربت بالریاح العاصفة و غشیتها الأمواج
الهائلة أرجی إلی الخلاص من الغضبان الملتهب». و قد ورد به الذم الشدیدة فی
الأخبار، قال رسول اللَّه- صلی اللَّه علیه و آله و سلم-: «الغضب یفسد الإیمان کما یفسد الخل العسل»، و
قال الباقر (ع)، إن هذا الغضب جمرة من الشیطان توقد فی قلب ابن آدم، و إن
أحدکم إذا غضب احمرت عیناه و انتفخت أوداجه و دخل الشیطان فیه، فإذا خاف
أحدکم ذلک من نفسه فلیلزم الأرض، فإن رجز الشیطان لیذهب عنه عند ذلک». و قال الصادق (ع): «و کان أبی (ع) یقول: أی شیء أشد من الغضب؟ إن الرجل یغضب فیقتل النفس التی حرم الله، و یقذف المحصنة» و قال (ع) [1]: «إن الرجل لیغضب فما یرضی أبدا حتی یدخل النار». و قال الصادق (ع):
(1)
أی: الباقر- علیه السلام و قد روی هذه الأخبار المذکورة هنا الکافی فی باب
الغضب، فروی هذا الخبر عنه- علیه السلام- لا عن الصادق- علیه السلام. جامع
السعادات، ج1، ص: 325 «الغضب مفتاح کل شر». و قال (ع): «الغضب ممحقة لقلب الحکیم». و قال (ع): من لم یملک غضبه لم یملک عقله». ثم
مما یلزم الغضب من الآثار المهلکة الذمیمة، و الأغراض المضرة القبیحة:
انطلاق اللسان بالشتم و السب، و إظهار السوء و الشماتة بالمساءة و إفشاء
الأسرار و هتک الأستار و السخریة و الاستهزاء، و غیر ذلک من قبیح الکلام
الذی یستحیی منه العقلاء، و توثب الأعضاء بالضرب و الجرح و التمزیق و القتل
و تألم القلب بالحقد و الحسد و العداوة و البغض و مما تلزمه الندامة بعد
زواله، و عداوة الأصدقاء، و استهزاء الأراذل، و شماتة الأعداء، و تغیر
المزاج، و تألم الروح و سقم البدن، و مکافاة العاجل و عقوبة الآجل. و
العجب ممن توهم أن شدة الغضب من فرط الرجولیة، مع أن ما یصدر عن الغضبان من
الحرکات القبیحة إنما هو أفعال الصبیان و المجانین دون الرجال و العاقلین،
کیف و قد تصدر عنه الحرکات غیر المنتظمة، من الشتم و السب بالنسبة إلی
الشمس، و القمر، و السحاب، و المطر، و الریح، و الشجر، و الحیوانات و
الجمادات، و ربما یضرب القصعة علی الأرض، و یکسر المائدة، و یخاطب البهیمة و
الجماد کما یخاطب العقلاء، و إذا عجز عن التشفی، ربما مزق ثوبه، و لطم
وجهه، و قد یعدو عدو المدهوش المتحیر، و ربما اعتراه مثل الغشیة، أو سقط
علی الأرض لا یطیق النهوض و العدو. و کیف یکون مثل هذه الأفعال القبیحة من
فرط الرجولیة و قد قال رسول اللَّه- صلی اللَّه علیه و آله و سلم-: «الشجاع من یملک نفسه عند غضبه».