الخوف منزل من منازل الدین و مقام من مقامات الموقنین، و هو أفضل
الفضائل النفسانیة، إذ فضیلة الشیء بقدر إعانته علی السعادة، و لا سعادة
کسعادة لقاء اللّه و القرب منه، و لا وصول إلیها إلا بتحصیل محبته و الأنس
به، و لا یحصل ذلک إلا بالمعرفة، و لا تحصل المعرفة إلا بدوام الفکر، و لا
یحصل الأنس إلا بالمحبة و دوام الذکر، و لا تتیسر المواظبة علی الفکر و
الذکر إلا بانقلاع حب الدنیا من القلب، و لا ینقلع ذلک إلا بقمع لذاتها و
شهواتها، و أقوی ما تنقمع به الشهوة هو نار الخوف، فالخوف هو النار المحرقة
للشهوات، فإذن فضیلته بقدر ما یحرق من الشهوات و یکف من المعاصی و یحث علی
الطاعات، و یختلف ذلک باختلاف درجات الخوف- کما مر-. و قیل: من أنس
باللّه، و ملک الحق قلبه، و بلغ مقام الرضا، و صار مشاهدا لجمال الحق: لم
یبق له الخوف، بل یتبدل خوفه بالأمن، کما یدل علیه قوله سبحانه: أولئِکَ
لَهُم الأمنُ وَ هُم مُهتَدُونَ [1] إذ لا یبقی له التفات إلی المستقبل، و
لا کراهیة من مکروه، و لا رغبة إلی محبوب، فلا یبقی له خوف و لا رجاء، بل
صار حاله أعلی منهما. نعم، لا یخلو عن الخشیة- أی الرهبة من اللّه و من
عظمته و هیبته- و إذا صار متجلیا بنظر الوحدة لم یبق فیه أثر من الخشیة
أیضا، لأنه من لوازم التکثر،