تغیر
شیء من الشکل أو الوضع أو الترکیب فی جزء من إجزائهما لأختل أمر الحرکة، و
وضع علیهما جملة البدن و جعلهما دعامة و أساسا له و حاملین لثقله، مع
خفتهما و صغر جثتهما بالنسبة إلیه، إذ حسن الترکیب و سهولة الحمل و الحرکة
فی مثل هذا الخلق لا یتصور بدون ذلک. فانظر فی عجیب حکمة ربک حیث جعل الأخف
و الأدق و الأصغر أساسا و حاملا للأثقل و الأغلظ و الأکبر، مع أن کل بناء
یکون أساسه أکبر و أغلظ مما یبنی علیه، و کل حامل یکون أعظم جثة من
المحمول، فسبحانه من خالق لا نهایة لعجائب حکمته و غرائب قدرته. ثم خلق
جمیع ذلک فی النطفة جوف الرحم فی ظلمات ثلاث، و لو کشف عنها الغطاء و امتد
إلیها البصر، لکان یری التخطیط و التصویر یظهر علیها شیئا فشیئا، و لا یری
المصور و لا آلته، فسبحانه من مصور فاعل یتصرف فی مصنوعه من دون احتیاج إلی
مباشرة آلة و لا افتقار إلی مکادحة عمل.
تذنیب
ثم تأمل- أیها المتأمل- فی عجائب حکم ربک: إنه لما کبر الصبی و ضاق عنه
الرحم کیف هداه السبیل إلی الخروج حتی تنکس و تحرک، و خرج من ذلک المضیق
کأنه عاقل بصیر، و لما خرج و کان محتاجا إلی الغذاء و لم یحتمل بدنه
الأغذیة الکثیفة للینه و رخاوته خلق له اللبن اللطیف، و استخرجه من بین
الفرث و الدم، خالصا سائغا، و خلق الثدیین و جمع فیهما هذا اللبن، و أنبت
منهما الحلمة علی قدر ما ینطبق فم الصبی، و هداه إلی التقامها، و فتح فیها
ثقبا ضیقة جدا، حتی لا یخرج اللبن إلا بعد المص تدریجیا، لأن الطفل