قد تقرر فی الطب الجسمانی أن حفظ الصحة بإیراد المثل و ملائم المزاج
فیجب أن یکون حفظ اعتدال الفضائل أیضا بذلک. و إیراد المثل لحفظ اعتدالها
یکون بأمور:
(منها) اختیار مصاحبة الأخیار،
و المعاشرة مع أولی الفضائل الخلقیة و استماع کیفیة سلوکهم مع الخالق و
الخلیقة، و الاجتناب عن مجالسة الأشرار و ذوی الأخلاق السیئة، و الاحتراز
عن استماع قصصهم و حکایاتهم و ما صدر عنهم من الأفعال و مزخرفاتهم، فإن
المصاحبة مع کل أحد أقوی باعث علی الاتصاف بأوصافه، فإن الطبع یسترق من
الطبع کلا من الخیر و الشر. و السر: أن النفس الإنسانیة ذات قوی بعضها یدعو
إلی الخیرات و الفضائل و بعضها یقتضی الشرور و الرذائل، و کلما حصل
لأحدهما أدنی باعث لما تقتضیه جبلته مال إلیه و غلب علی صاحبه إلی الخیر، و
لکون دواعی الشر من القوی أکثر من بواعث الخیر منها، یکون المیل إلی الشر
أسرع و أسهل بالنسبة إلی المیل إلی الخیر، و لذا قیل: إن تحصیل الفضائل
بمنزلة الصعود إلی الأعالی و کسب الرذائل بمثابة النزول منها، و إلی ذلک
یشیر قوله صلی اللّه علیه و آله و سلم: «حفت الجنة بالمکاره و حفت النار بالشهوات».
(و منها) إعمال القوی فی شرائف الصفات،
و المواضبة علی الأفعال التی هی آثار فضائل الملکات، و حمل النفس علی الأعمال التی یقتضیها
(1) هذه الفصول کتمهید للمقامات الأربعة التی تتعلق بالعلاج الخاص لذمائم الأخلاق.