ذکر ما یضرب فیها من النوبات:

قال: أما النوبة التی تضرب عند ثلث اللیل الأخیر فهذا شی‌ء أحدثته ضیفة خاتون أم العزیز لأجل قیام اللیل فإنها کانت تقوم ذلک الوقت للصلاة و ما کان أحد یستطیع إیقاظها.
و أما التی تضرب بعد العشاء فللإعلام بانقضاء صلاة العشاء، ثم یضرب الطبل مرة واحدة بعد ذلک إلی ثلث اللیل، ثم یضرب مرتین ثم ثلاثا.
و أصل ذلک أنه کان بالقلعة جرس کالتنور العظیم معلق علی برج من أبراجها التی من غربیها کانت الحراس تحرکه ثلاث دفعات فی اللیل دفعة فی أوله لانقطاع الرجل عن السعی و أخری فی وسطه للبدیل و أخری فی آخره للإعلام بالفجر، و علق هذا الجرس فی سنة ست و تسعین و أربعمائة. و السبب فی تعلیقه ما حکاه منتخب الدین یحیی بن أبی طی النجار الحلبی فی تاریخه أن الفرنج لما ملکوا أنطاکیة فی سنة إحدی و تسعین و أربعمائة طمعوا فی بلاد حلب فخرجوا إلیها و عاثوا فی بلادها و ملکوا معرة النعمان و قتلوا من فیها، فخافهم الملک رضوان بن تاج الدولة تتش لعجزه عن دفعهم فاضطر إلی مصالحتهم، فاقترحوا علیه أشیاء من جملتها أن یحمل إلیهم فی کل سنة قطیعة من مال و خیل و أن یعلق بقلعة حلب هذا الجرس و یضع صلیبا علی منارة المسجد الجامع، فأجابهم إلی ذلک، فأنکر علیه القاضی أبو الحسن بن الخشاب و کان بیده زمام البلد وضع الصلیب علی منارة الجامع و قبح ذلک، فراجع الفرنج فی أمر الصلیب إلی أن أذنوا له فی وضعه علی الکنیسة العظمی التی بنتها هیلانة، فلم یزل بها إلی أن حاصرت الفرنج حلب سنة ثمانی عشرة و خمسمائة و نبشوا ما حولها من القبور فأخذ القاضی ابن الخشاب الکنایس کما تقدم ورمی الصلیب. و أما الجرس فإنه لم یزل معلقا إلی أن ورد حلب الشیخ الصالح أبو عبد اللّه بن حسان المغربی فسمع حرکة الجرس و هو مجتاز تحت القلعة فالتفت إلی من کان معه و قال: ما هذا الذی قد سمعت من المنکر فی بلدکم، هذا شعار الفرنج، فقیل له: هذه عادة البلد من قدیم الزمان، فازداد إنکاره و جعل أصبعیه فی أذنیه و قعد فی الأرض و قال: اللّه أکبر اللّه أکبر،