نفسه فنام؛ و أمّا الرّشيد فجاء إلى أكمة فصلّى عندها و دعا و بكى و
تمرّغ على الأكمة ثمّ قال: يا ابن العمّ أنا و اللَّه أعرف فضلك و سابقتك، و بك و
اللَّه جلست مجلسي الّذي أنا فيه، و أنت أنت و لكن ولدك يؤذونني و يخرجون عليّ،
ثمّ يقوم فيصلّي و يدعو و يبكي حتّى إذا كان وقت السّحر قال: يا ياسر أقم عيسى
فأقمته فقال: يا عيسى قم فصلّ عند قبر ابن عمّك، قال له: و أيّ بني عمومتي هذا؟-
قال: هذا قبر عليّ بن أبي طالب عليه السّلام. فتوضّأ عيسى و صلّى فلم يزالا كذلك
حتّى بان الفجر فركبنا و رجعنا إلى الكوفة.
فقال ياسر: يا أمير المؤمنين أ تفعل هذا بقبر عليّ و تحبس ولده؟.!
فقال:
ويلك انّهم يؤذونني و يحوجونني إلى ما أفعل بهم. انظر إلى من في
الحبس [و أحصهم]؛ فأحصينا من في الحبس منهم ببغداد و بالرّقّة؛ فكانوا مقدار
خمسين رجلا، فقال: ادفع إلى كلّ واحد منهم ألف درهم و ثلاثة أثواب و أطلقهم.
قال ياسر: ففعلت ذلك، فما لي عند اللَّه حسنة أكبر منها.
و قد زاره الخليفة المقتفي مرارا، و كذلك الخليفة المستنصر و عمل
الضّريح الشّريف و بالغ فيه، و كذلك الخليفة المستعصم و فرّق الأموال الجليلة
عنده، و الحال في ذلك أظهر من أن يخفى.
و ذكر ابن طحّال أنّ الرّشيد بنى عليه بنيانا بآجرّ أبيض أصغر من هذا
الضّريح [الّذي هو] اليوم من كلّ جانب بذراع، و أمر أن يبنى عليه قبّة فبنيت من
طين أحمر و طرح على رأسها جرّة خضراء هي في الخزانة إلى اليوم و السّلام.
الباب الرابع عشر فيما روى عن جماعة من أعيان العلماء
اعلم أنّه لمّا كان القصد بدفنه عليه السّلام سرّا ستر الحال عن غير
أهله قلّ العارفون به من الأجانب، و ان عرف بعضهم فاستناد معرفته إليهم و قد قال
كثير من العلماء: لا يدري موضع قبره تحقيقا؛ لجهالتهم، و من لا يدرى لا ينازع من
يقول: