لمّا دخل على معاوية قال: السّلام عليك يا أمير الفاسقين و لا رحمة
اللَّه و بركاته اتّق اللَّه يا معاوية و اعلم أنّك في كلّ يوم يزول عنك و ليلة
تأتى عليك لا تزداد من الدّنيا الّا بعدا و من الآخرة الّا قربا، و على أثرك طالب
لا تفوته قد نصب لك علما لا تجوزه، فما أسرع ما تبلغ العلم، و ما أوشك ما يلحقك
الطّالب[2]، انّ ما نحن و أنت فيه زائل و
انّ الّذي نحن اليه صائرون باق[3] ان خير و ان شرّ[4] فنسأل اللَّه الخير و نعوذ به من الشّرّ، ثمّ انّه جلس ساعة لا
يتكلّم فقال له: يا أبا بكرة أ زيارتنا أشخصتك أم حاجة حدثت لك قبلنا؟ قال: لا و
اللَّه لا أقول باطلا و لكنّها حاجة بدت لي قبلك قال: فهات حاجتك فما أحبّ إلينا
ممّا سرّك[5] قال: أريد أن تؤمّن أخي زيادا، قال:
[1]نقل الطبري في تاريخه باسناده عن بسر بن
عبيد اللَّه قال: خرج أبو بكرة الى معاوية بالكوفة فقال له معاوية: يا أبا بكرة أ
زائرا جئت أم دعتك إلينا حاجة؟- قال: لا أقول باطلا ما أتيت الا في حاجة قال: تشفع
يا أبا بكرة و نرى لك بذلك فضلا و أنت لذلك أهل فما هو؟- قال: تؤمن أخى زيادا و
تكتب الى بسر بتخلية ولده و بترك التعرض لهم فقال: و أما بنو زياد فنكتب لك فيهم
ما سألت، و أما زياد ففي يده مال للمسلمين فإذا أداه فلا سبيل لنا عليه قال: يا
أمير المؤمنين ان يكن عنده شيء فليس يحبسه عنك ان شاء اللَّه.
فكتب معاوية لأبي بكرة الى بسر: ألا يتعرض لأحد من ولد زياد فقال
معاوية لأبي بكرة:
أ تعهد إلينا عهدا يا أبا بكرة؟- قال: نعم، أعهد إليك أن تنظر
لنفسك و رعيتك و تعمل صالحا فإنك قد تقلدت عظيما خلافة اللَّه في خلقه فاتق اللَّه
فان لك غاية لا تعدوها و من وراءك طالب حثيث فأوشك أن تبلغ المدى فيلحق الطالب
فتصير الى من يسألك عما كنت فيه و هو أعلم به منك و انما هي محاسبة و توقيف فلا
تؤثرن على رضى اللَّه عز و جل شيئا».
أقول: نقل ابن كثير في البداية و النهاية في ترجمة معاوية بن أبى-
سفيان تحت عنوان «خروج طائفة من الخوارج عليه» ما يقرب من ذلك (انظر ج 8؛ ص 22).
[2]في الأصل: «فما أسرع ما تبلغن
العلم، و ما أوشك ما تلحقن الطالب».