هذا ابن أبي طالب بناحية العراق في ضنك و ضيق، قد ابتلاه اللَّه
بخطيئته، و أسلمه بجريرته، فتفرّق عنه أصحابه ناقمين عليه و ولّى الأمر معاوية
الطّالب بدم عثمان فبايعوا و لا تجعلوا على أنفسكم سبيلا؛ فبايعوا، و فقد[1] سعيد بن العاص[2] فطلبه فلم يجده و أقام
أيّاما ثمّ خطبهم فقال:
يا أهل مكّة إنّي قد صفحت عنكم فإيّاكم و الخلاف، فو اللَّه لئن
فعلتم لأقصدنّ منكم الى الّتي تبير الأصل، و تحرب المال، و تخرب الدّيار.
و خرج بسر الى الطّائف فلقيه المغيرة بن شعبة فسأله.
و بلغني من غير هذا [الوجه[3]] أنّ المغيرة بن شعبة كتب الى بسر حين خرج من مكّة متوجّها الى
الطّائف:
أمّا بعد فقد بلغني مسيرك الى الحجاز، و نزولك مكّة، و شدّتك على
المريب، و عفوك عن المسيء، و إكرامك لأولي النّهى، فحمدت رأيك في ذلك؛ فدم على
صالح ما أنت[4] عليه، فانّ اللَّه لن يزيد بالخير [أهله[5]] الّا خيرا، جعلنا اللَّه و إيّاك[6] من الآمرين بالمعروف، و القاصدين الى الحقّ، و الذّاكرين اللَّه
كثيرا.
[2]في تنقيح المقال: «سعيد بن العاص بن
سعيد بن العاص القرشي الأموي عده ابن عبد البر و ابن مندة و أبو نعيم من الصحابة و
في أسد الغابة انه من أشراف قريش و أجوادهم و فصحائهم و هو أحد الذين كتبوا المصحف
لعثمان، و استعمله عثمان على الكوفة بعد الوليد بن عقبة بن أبى معيط (الى أن قال)
و لما قتل عثمان لزم بيته و اعتزل الفتنة فلم يشهد الجمل و لا صفين، فلما استقل
الأمر لمعاوية أتاه و له مع معاوية كلام طويل عاتبه معاوية على تخلفه عنه في حروبه
فاعتذر هو فقبل معاوية عذره ثم ولاه المدينة (الى آخر ما قال)».
أقول: كأن تفقد بسر لسعيد كان لتخلفه عن معاوية و لزومه بيته.
[3]التصحيح بقرينة ما مر من تعبير المصنف
به في مثل المقام.