ثمّ ذكر اللّه سبحانه حكمة النار بعد ذكر الأرض المزروعة- لدلالة
الزرع عليها [67] بالالتزام- و
ذكر الماء و الهواء، لكونها أشرف العناصر و أصفاها و أبعدها مكانا عنّا، مخاطبا
لنا للحثّ على النظر في عجيب أمرها و حكمة تكونها في وجه الأرض مع بعد حيّزها
الطبيعي عنها بقوله:أَ
فَرَأَيْتُمُ النَّارَ أي: نظرتم نظر
المعتبر المتفكّر في خلقتها و حكمتها:الَّتِي تُورُونَ
أي:
تقدحونها و تستخرجونها من الزناد و المقادح، و هما أبعد شيء من قبول الصورة
الناريّة.
قيل: إنّ العرب تقدح بعودين، يحكّ أحدهما على الآخر، و يسمون الأعلى:
«الزند» و الأسفل: «الزندة»، و شبّهوهما بالفحل و الطروقة.
و قد مرّ في سورة يس [68] عند قوله تعالى:الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا
أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ انّ المرخ و
العفار يقطع الرجل منهما عصيّين
[69] مثل السواكين و هما خضراوان يقطر منهما الماء فيسحق المرخ- و هو ذكر-
على العفار- و هي أنثى- فيقدح بإذن اللّه فتعلّق بالحطب و غيره، فتنشأ شجرتها التي
تنقدح منها النارأَ
أَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها
اي:
أنبتتموها و ابتدأتموهاأَمْ
نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ إيّاها على وجه
تصلح لأن يتعلّق بها النار